الْوَرَثَةِ فِيهِمَا؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ: «إنَّ اللَّهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ عِنْدَ وَفَاتِكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ زِيَادَةً لَكُمْ فِي أَعْمَالِكُمْ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
فَمَفْهُومُهُ لَيْسَ لَكُمْ أَكْثَرُ مِنْ الثُّلُثِ يُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ: «أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ سِتَّةَ أَعْبُدٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُمْ، فَاسْتَدْعَاهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَزَّأَهُمْ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ، فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَإِذَا لَمْ يَنْفُذْ الْعِتْقُ مَعَ سِرَايَتِهِ؛ فَغَيْرُهُ أَوْلَى، وَلِأَنَّ هَذِهِ الْحَالَ الظَّاهِرُ مِنْهَا الْمَوْتُ، فَكَانَتْ عَطِيَّتُهُ فِيهَا فِي حَقِّ وَرَثَةٍ لَا تَتَجَاوَزُ الثُّلُثَ كَالْوَصِيَّةِ (غَيْرَ أَنَّهُ يَنْفُذُ ظَاهِرًا فِي الْجَمِيعِ) - أَيْ: جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ - عَلَى مَا (قَالَهُ الْقَاضِي) .
قَالَ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ ": ذَكَرَ الْقَاضِي الْمَوْهُوبُ لَهُ يَقْبِضُ الْهِبَةَ، وَيَتَصَرَّفُ فِيهَا مَعَ كَوْنِهَا مَوْقُوفَةً عَلَى الْإِجَازَةِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنَّ تَسْلِيمَ الْمَوْهُوبِ إلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ يَذْهَبُ حَيْثُ يَشَاءُ وَإِرْسَالُ الْعَبْدِ الْمُعْتَقِ أَوْ إرْسَالُ الْمُحَابَاةِ لَا يَجُوزُ، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يُوقَفَ أَمْرُ التَّبَرُّعَاتِ عَلَى وَجْهٍ يَتَمَكَّنُ الْوَارِثُ مِنْ رَدِّهَا بَعْدَ الْمَوْتِ إذَا شَاءَ.
(وَلَوْ) كَانَتْ عَطِيَّتُهُ (عِتْقًا) لِبَعْضِ أَرِقَّائِهِ (أَوْ) كَانَتْ عَطِيَّتُهُ (عَفْوًا عَنْ جِنَايَةٍ تُوجِبُ مَالًا أَوْ) كَانَتْ عَطِيَّتُهُ (مُحَابَاةً فِي نَحْوِ بَيْعٍ) كَإِجَارَةٍ وَالْمُحَابَاةُ أَنْ يُسَامِحَ أَحَدُ الْمُتَعَاوِضَيْنِ الْآخَرَ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ بِبَعْضِ مَا يُقَابِلُ الْعِوَضَ؛ كَأَنْ يَبِيعَ مَا يُسَاوِي عَشَرَةً بِثَمَانِيَةٍ، أَوْ يَشْتَرِيَ مَا يُسَاوِي ثَمَانِيَةً بِعَشَرَةٍ؛ فَهِيَ كَوَصِيَّةٍ فِي الْجَمِيعِ (لَا) إنْ كَانَ الصَّادِرُ مِنْ الْمَرِيضِ (كِتَابَةً) لِرَقِيقِهِ أَوْ بَعْضِهِ بِمُحَابَاةٍ (أَوْ) كَانَ (وَصِيَّتُهُ بِهَا) - أَيْ: كِتَابَتِهِ (بِمُحَابَاةٍ) فَالْمُحَابَاةُ فِيهِمَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ.
هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ فِي " الْإِنْصَافِ " وَفِي " التَّنْقِيحِ " " وَالْمُنْتَهَى ". لَكِنَّ كَلَامَ " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ " وَالْحَارِثِيِّ وَغَيْرِهِمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الَّذِي يَصِحُّ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ هُوَ الْكِتَابَةُ نَفْسُهَا؛ لِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ كَالْبَيْعِ مِنْ الْغَيْرِ.
قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَقَدْ ذَكَرْته لَك فَوَقَعَ الِاشْتِبَاهُ عَلَى صَاحِبِ " الْإِنْصَافِ " وَ " التَّنْقِيحِ " وَتَبِعَهُ مِنْ تَبِعَهُ، وَالْحَقُّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ. انْتَهَى.
(وَمَعَ إطْلَاقٍ) أَيْ: إذْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute