وَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِمُحَرَّمٍ (كَطَبْلِ لَهْوٍ وَطُنْبُورٍ وَمِزْمَارٍ) وَعُودِ لَهْوٍ وَكَذَا آلَاتُ اللَّهْوِ كُلُّهَا كَرَبَابٍ وَقَانُونٍ وَنَحْوِهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا أَوْتَارٌ؛ لِأَنَّهَا مُهَيَّئَةٌ لِفِعْلِ الْمَعْصِيَةِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَتْ بِأَوْتَارِهَا.
(وَيَتَّجِهُ) بِ (احْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (الصِّحَّةُ) ؛ أَيْ: صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ بِجَمِيعِ مَا ذُكِرَ مِنْ آلَاتِ اللَّهْوِ الْمُحَرَّمَةِ إنْ كَانَتْ مِنْ جَوْهَرٍ نَفِيسٍ يُنْتَفَعُ بِكَسْرِهِ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، نَظَرًا إلَى الِانْتِفَاعِ بِجَوْهَرِهِمَا، أَوْ كَانَتْ مُكَفَّتَةً بِالذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ (قِيَاسًا عَلَى أَوَانِي نَقْدٍ) لِأَنَّهَا تُكْسَرُ وَتُبَاعُ، فَيُنْتَفَعُ بِثَمَنِهَا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى جِهَةِ التَّحْرِيمِ، وَهُوَ اتِّجَاهٌ حَسَنٌ، وَقِيَاسٌ مُسْتَحْسَنٌ.
(وَ) لَوْ وَصَّى إنْسَانٌ (بِدَفْنِ كُتُبِ الْعِلْمِ لَمْ تُدْفَنْ) لِأَنَّ الْعِلْمَ مَطْلُوبٌ نَشْرُهُ، وَدَفْنُهُ مُنَافٍ لِذَلِكَ (وَلَا يَدْخُلُ فِيهَا) ؛ أَيْ: كُتُبِ الْعِلْمِ (إنْ وَصَّى بِهَا لِشَخْصٍ: كُتُبُ الْكَلَامِ) قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ إمَّا مِنْ عِنْدِهِ أَوْ حِكَايَةً عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَمْ يُخَالِفْهُ.
لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَوْصَى بِكُتُبِهِ مِنْ الْعِلْمِ لِآخَرَ، وَكَانَ فِيهَا كُتُبُ الْكَلَامِ؛ لَمْ تَدْخُلْ فِي الْوَصِيَّةِ (لِأَنَّهُ) ؛ أَيْ: الْكَلَامَ (لَيْسَ مِنْ الْعِلْمِ) انْتَهَى. وَاقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ: الْكَلَامُ رَدِيءٌ لَا يَدْعُو إلَى خَيْرٍ لَا يُفْلِحُ صَاحِبُ كَلَامٍ، تَجَنَّبُوا أَصْحَابَ الْجِدَالِ وَالْكَلَامِ، وَعَلَيْكَ بِالسُّنَنِ وَمَا كَانَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَكْرَهُونَ الْكَلَامَ. وَعَنْهُ: لَا يُفْلِحُ صَاحِبُ كَلَامٍ أَبَدًا وَلَا تَرَى أَحَدًا نَظَرَ فِي الْكَلَامِ إلَّا وَفِي قَلْبِهِ دَغَلٌ، وَكَذَلِكَ رَوَى ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ مَالِكٍ فِيمَا حَكَى الْبَغَوِيّ: لَوْ كَانَ الْكَلَامُ عِلْمًا لَتَكَلَّمَ فِيهِ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ كَمَا تَكَلَّمُوا فِي الْأَحْكَامِ وَالشَّرَائِعِ، وَلَكِنَّهُ بَاطِلٌ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجْمَعَ أَهْلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute