الْبُخَارِيُّ
(وَتَرْكُهُ) ؛ أَيْ: الدُّخُولِ فِي الْوَصِيَّةِ (أَوْلَى) لِمَا فِيهِ مِنْ الْخَطَرِ، وَهُوَ لَا يَعْدِلُ بِالسَّلَامَةِ شَيْئًا (فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ) إذْ الْغَالِبُ فِيهَا الْعَطَبُ وَقِلَّةُ السَّلَامَةِ، لَكِنْ رَدَّ الْحَارِثِيُّ ذَلِكَ، وَقَالَ: الْوَصِيَّةُ إمَّا وَاجِبَةٌ أَوْ مُسْتَحَبَّةٌ، وَأَوْلَوِيَّةُ تَرْكِ الدُّخُولِ يُؤَدِّي إلَى تَعْطِيلِهَا.
قَالَ: فَالدُّخُولُ قَدْ يَتَعَيَّنُ فِيمَا هُوَ مُعَرَّضٌ لِلضَّيَاعِ، إمَّا لِعَدَمِ قَاضٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ دَرْءِ الْمَفْسَدَةِ وَجَلْبِ الْمَصْلَحَةِ.
(وَتَصِحُّ) وَصِيَّةُ الْمُسْلِمِ (إلَى) كُلِّ (مُسْلِمٍ) لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يَلِي مُسْلِمًا (مُكَلَّفٍ) فَلَا تَصِحُّ إلَى طِفْلٍ وَلَا مَجْنُونٍ وَلَا أَبْلَهٍ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَتَأَهَّلُونَ إلَى تَصَرُّفٍ أَوْ وِلَايَةٍ (رَشِيدٍ) فَلَا تَصِحُّ إلَى سَفِيهٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ (عَدْلٍ) إجْمَاعًا (وَلَوْ) كَانَ الْمُوصَى إلَيْهِ (مَسْتُورًا) ؛ أَيْ: ظَاهِرَ الْعَدَالَةِ، (أَوْ) كَانَ (عَاجِزًا وَيُضَمُّ) إلَيْهِ (قَوِيٌّ أَمِينٌ أَوْ) كَانَ الْمُوصَى إلَيْهِ (أُمَّ وَلَدٍ أَوْ قِنًّا وَلَوْ) كَانَا (لِمُوصٍ) لِصِحَّةِ اسْتِنَابَتِهِمَا فِي الْحَيَاةِ، أَشْبَهَا الْحُرَّ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ» .
وَالرِّعَايَةُ وِلَايَةٌ فَوَجَبَ ثُبُوتُ الصِّحَّةِ، وَلِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلْعَدَالَةِ وَالِاسْتِنَابَةِ فِي الْحَيَاةِ فَتَأَهَّلَ لِلْإِسْنَادِ إلَيْهِ، وَأَمَّا أَنَّهُ لَا يَلِي عَلَى ابْنِهِ؛ فَلَا أَثَرَ لَهُ بِدَلِيلِ الْمَرْأَةِ، وَكَوْنُ عَبْدِ الْغَيْرِ يَتَوَقَّفُ تَصَرُّفُهُ عَلَى إذْنِ سَيِّدِهِ، لَا أَثَرَ لَهُ أَيْضًا بِدَلِيلِ تَوَقُّفِ التَّنْفِيذِ لِلْقَدْرِ [الْمُجَاوِزِ] لِلثُّلُثِ عَلَى إذْنِ الْوَارِثِ (وَيَقْبَلُ) الْقِنُّ وَأُمُّ الْوَلَدِ إنْ كَانَتْ لِغَيْرِ مُوصٍ (بِإِذْنِ سَيِّدِهِ) لِأَنَّ مَنَافِعَهُ مَمْلُوكَةٌ لَهُ، وَفِعْلُ مَا وُصِّيَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لَا يَسْتَقِلُّ بِهَا، فَلَمْ يَجُزْ فِعْلُهُ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِ مَنْفَعَتِهِ.
وَكَمَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَى مَنْ ذُكِرَ تَصِحُّ (مِنْ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ لَيْسَتْ تَرِكَتُهُ نَحْوَ خَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ) وَنَحْوَهُمَا كَسِرْجِينٍ نَجِسٍ، (وَ) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ (مِنْ كَافِرٍ إلَى) كَافِرٍ (عَدْلٍ فِي دِينِهِ) لِأَنَّهُ يَلِي عَلَى غَيْرِهِ بِالنَّسَبِ، فَيَلِي بِالْوَصِيَّةِ كَالْمُسْلِمِ (وَتُعْتَبَرُ) هَذِهِ (الصِّفَاتُ) الْمَذْكُورَةُ مِنْ الْإِسْلَامِ وَالتَّكْلِيفِ وَالرُّشْدِ وَالْعَدَالَةِ (حِينَ مَوْتِ) مُوصٍ؛ لِأَنَّهُ الْوَقْتُ الَّذِي يَمْلِكُ الْمُوصَى إلَيْهِ التَّصَرُّفَ بِالْإِيصَاءِ (وَ) يُعْتَبَرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute