السَّيِّدُ لِرَقِيقِهِ: (فَإِذَا أَدَّيْتَ) إلَيَّ مَا كَاتَبْتُك عَلَيْهِ (فَأَنْتَ حُرٌّ) لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ مُوجِبُ عَقْدِ الْكِتَابَةِ، فَيَثْبُتُ عِنْدَ تَمَامِهِ كَسَائِرِ أَحْكَامِهِ، وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدٌ وُضِعَ لِلْعِتْقِ بِالْأَدَاءِ، فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى لَفْظِ الْعِتْقِ وَلَا نِيَّتِهِ كَالتَّدْبِيرِ، وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْكِتَابَةِ فِي الْمُخَارَجَةِ، وَهِيَ ضَرْبُ خَرَاجٍ مَعْلُومٍ يَحْتَمِلُهُ كَسْبُ الْمُكَاتَبِ يُؤَدِّيهِ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ أَوْ أُسْبُوعٍ أَوْ شَهْرٍ بِحَسَبِ مَا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ؛ لَيْسَ بِمَشْهُورٍ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى الِاحْتِرَازِ عَنْهُ، فَلَا يَمْنَعُ وُقُوعَ الْحُرِّيَّةِ كَسَائِرِ الْأَلْفَاظِ الصَّرِيحَةِ، عَلَى أَنَّ اللَّفْظَ الْمُحْتَمِلَ يَنْصَرِفُ بِالْقَرَائِنِ إلَى أَحَدِ مُحْتَمَلَيْهِ كَلَفْظِ التَّدْبِيرِ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْحُرِّيَّةِ كَذَلِكَ.
(وَمَتَى أَدَّى) الْمُكَاتَبُ (مَا عَلَيْهِ) مِنْ كِتَابَةٍ (وَقَبَضَهُ) مِنْهُ (سَيِّدُهُ أَوْ) قَبَضَهُ مِنْهُ (وَلِيُّهُ) ؛ أَيْ: السَّيِّدِ إنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ عَتَقَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لِسَيِّدِهِ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَلَا يَعْتِقُ قَبْلَ أَدَاءِ جَمِيعِ الْكِتَابَةِ؛ لِمَفْهُومِ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا: «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
فَدَلَّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّهُ إذَا أَدَّى جَمِيعَ كِتَابَتِهِ لَا يَبْقَى عَبْدًا (أَوْ أَبْرَأهُ) ؛ أَيْ: الْمُكَاتَبَ (سَيِّدُهُ) مِنْ كِتَابَتِهِ بَرِئَ، وَعَتَقَ؛ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ خَلَتْ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَدَّاهُ، فَإِنْ أَبْرَأهُ مِنْ بَعْضِهِ بَرِئَ مِنْهُ، وَهُوَ عَلَى الْكِتَابَةِ فِيمَا بَقِيَ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ كَالْأَدَاءِ، فَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى دَنَانِيرَ فَأَبْرَأهُ مِنْ دَرَاهِمَ أَوْ بِالْعَكْسِ؛ لَمْ تَصِحَّ الْبَرَاءَةُ؛ لِأَنَّهُ أَبْرَأهُ مِمَّا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَزِيدَ فِي الْبَرَاءَةِ لَفْظَ مِمَّا لِي عَلَيْك؛ فَتَصِحُّ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ اكْتِفَاءً بِالْمَعْنَى.
(فَائِدَةٌ) : فَإِنْ اخْتَلَفَا، فَقَالَ الْمُكَاتَبُ: إنَّمَا أَرَدْت الْبَرَاءَةَ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ، وَقَالَ السَّيِّدُ: بَلْ ظَنَنْت أَنْ لِي عَلَيْك النَّقْدَ الَّذِي أَبْرَأْتُكَ مِنْهُ؛ فَلَمْ تَقَعْ الْبَرَاءَةُ مَوْضِعَهَا؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ السَّيِّدِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِنِيَّتِهِ، فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ، وَاخْتَلَفَ الْمُكَاتَبُ وَالْوَرَثَةُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ مَعَ أَيْمَانِهِمْ، وَيَحْلِفُونَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ، وَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ، وَاخْتَلَفَ وَرَثَتُهُ وَسَيِّدُهُ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ السَّيِّدِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute