أَصْلِ الْكِتَابَةِ.
وَتُفَارِقُ الْبَيْعَ مِنْ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْبَيْعِ عَدَمُ مِلْكِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمَا صَارَ إلَيْهِ، وَالْأَصْلُ فِي الْمُكَاتَبِ أَنَّهُ هُوَ وَكَسْبُهُ لِلسَّيِّدِ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِيهِ.
الثَّانِي: أَنَّ التَّحَالُفَ فِي الْبَيْعِ يُفِيدُ وَلَا فَائِدَةَ هُنَا؛ إذْ فَائِدَتُهُ فَسْخُ الْكِتَابَةِ، وَرَدُّ الْعَبْدِ لِلرِّقِّ إذَا لَمْ يَرْضَ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ السَّيِّدُ، وَهَذَا حَاصِلٌ بِحَلِفِ السَّيِّدِ وَحْدَهُ، وَإِنَّمَا قُدِّمَ قَوْلُ الْمُنْكِرِ فِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُ، وَالْأَصْلُ هَاهُنَا مَعَ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مِلْكُهُ الْعَبْدَ وَكَسْبَهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ الِاخْتِلَافُ قَبْلَ الْعِتْقِ أَوْ بَعْدَهُ، مِثْلُ أَنْ يَدْفَعَ لِسَيِّدِهِ أَلْفَيْنِ، فَيَعْتِقَ، ثُمَّ يَدَّعِيَ الْمُكَاتَبُ أَنَّ أَحَدَهُمَا عَنْ الْكِتَابَةِ وَالْآخَرَ وَدِيعَةٌ، وَيَقُولُ السَّيِّدُ: بَلْ هُمَا جَمِيعًا مَالُ الْكِتَابَةِ (أَوْ) اخْتَلَفَا فِي (جِنْسِهِ) ؛ أَيْ: عِوَضِ مَالِ الْكِتَابَةِ بِأَنْ قَالَ السَّيِّدُ: كَاتَبْتُك عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ الْمُكَاتَبُ: بَلْ عَلَى عَشَرَةِ دَنَانِيرَ؛ فَقَوْلُ سَيِّدٍ؛ لِمَا تَقَدَّمَ (أَوْ) اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ (أَجَلِهَا) ؛ أَيْ: الْكِتَابَةِ بِأَنْ قَالَ السَّيِّدُ: كَاتَبْتُك عَلَى أَلْفَيْنِ إلَى شَهْرَيْنِ كُلُّ شَهْرٍ أَلْفٌ، وَقَالَ الْعَبْدُ: بَلْ إلَى سَنَتَيْنِ كُلُّ سَنَةٍ أَلْفٌ؛ فَقَوْلُ سَيِّدٍ بِيَمِينِهِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ (أَوْ) اخْتَلَفَا فِي (وَفَاءِ مَالِهَا) بِأَنْ قَالَ الْعَبْدُ: وَفَّيْتُك مَالَ الْكِتَابَةِ، فَعَتَقْت، وَأَنْكَرَ السَّيِّدُ (فَقَوْلُ سَيِّدٍ) بِيَمِينِهِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» وَكَذَا لَوْ ادَّعَى الْمُكَاتَبُ أَنْ سَيِّدَهُ أَبْرَأَهُ مِنْهَا، فَأَنْكَرَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ
(وَإِنْ) أَقَرَّ السَّيِّدُ، وَلَوْ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ الْمَخُوفِ بِقَبْضِ مَالِ الْكِتَابَةِ؛ عَتَقَ الْعَبْدُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي إقْرَارِهِ بِذَلِكَ، وَلَوْ (قَالَ) السَّيِّدُ (قَبَضْتهَا) أَيْ: دَرَاهِمَ الْكِتَابَةِ (إنْ شَاءَ اللَّهُ) تَعَالَى (أَوْ) قَالَ قَبَضْتهَا إنْ شَاءَ (زَيْدٌ؛ عَتَقَ) الْمُكَاتَبُ (وَلَمْ يُؤَثِّرْ) الِاسْتِثْنَاءُ (وَلَوْ) كَانَ (فِي مَرَضِهِ) كَمَا لَوْ لَمْ يَسْتَثْنِ؛ لِأَنَّ الْمَرَضَ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ تَعْلِيقٌ عَلَى شَرْطٍ، وَاَلَّذِي يَتَعَلَّقُ عَلَى شَرْطٍ إنَّمَا هُوَ الْمُسْتَقْبَلُ، وَقَوْلُهُ: قَبَضْتهَا مَاضٍ، فَلَا يُمْكِنُ تَعْلِيقُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَقَعَ عَلَى صِفَةٍ، فَلَا يَتَغَيَّرُ عَنْهَا بِالشَّرْطِ، وَإِنْ قَالَ: اسْتَوْفَيْت آخِرَ كِتَابَتِي، وَقَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute