{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: ٣] : أُرِيدَ بِهِ التَّخْيِيرُ بَيْنَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثٍ وَأَرْبَعٍ، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [فاطر: ١] وَلَمْ يُرِدْ أَنَّ لِكُلٍّ تِسْعَةَ أَجْنِحَةٍ، وَلَوْ أَرَادَ ذَلِكَ لَقَالَ: تِسْعَةً، وَلَمْ يَكُنْ لِلتَّطْوِيلِ مَعْنًى، وَمَنْ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ فَقَدْ جَهِلَ اللُّغَةَ الْعَرَبِيَّةَ (إلَّا نَبِيُّنَا) مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَتَقَدَّمَ) أَنَّهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأَيِّ عَدَدٍ شَاءَ؛ تَكْرِمَةً لَهُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَاتَ عَنْ تِسْعٍ.
(وَلَا لِعَبْدٍ جَمَعَ أَكْثَرَ مِنْ ثِنْتَيْنِ) أَيْ: زَوْجَتَيْنِ، لِقَوْلِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ. وَقَدْ رَوَى لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ قُتَيْبَةَ أَنَّهُ قَالَ: أَجْمَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَنْكِحُ أَكْثَرَ مِنْ ثِنْتَيْنِ. وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ النَّاسَ: كَمْ يَتَزَوَّجُ الْعَبْدُ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: اثْنَتَيْنِ، وَطَلَاقُ اثْنَتَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ، فَلَمْ يُنْكَرْ، وَهَذَا يَخُصُّ عُمُومَ الْآيَةِ مَعَ أَنَّ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ الْأَحْرَارِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٣] وَلِأَنَّ النِّكَاحَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّفْضِيلِ، وَلِهَذَا فَارَقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ أُمَّتَهُ، وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ التَّسَرِّي، وَلَوْ أَذِنَهُ سَيِّدُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ.
(وَلِمَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ فَأَكْثَرُ جَمْعٍ ثَلَاثُ) زَوْجَاتٍ نَصًّا اثْنَتَيْنِ بِنِصْفِهِ الْحُرِّ، وَوَاحِدَةٍ بِنِصْفِهِ الرَّقِيقِ، فَإِنْ كَانَ دُونَ نِصْفِهِ حُرٌّ؛ فَلَهُ نِكَاحُ اثْنَتَيْنِ فَقَطْ، فَإِنْ مَلَكَ بِجُزْئِهِ الْحُرِّ جَارِيَةً فَمِلْكُهُ تَامٌّ، وَلَهُ الْوَطْءُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٣] ذَكَرَهُ فِي " الْكَافِي ". وَفِي " الْفُنُونِ " قَالَ فَقِيهٌ: شَهْوَةُ الْمَرْأَةِ فَوْقَ شَهْوَةٍ الرَّجُلِ تِسْعَةَ أَجْزَاءٍ، فَقَالَ حَنْبَلِيٌّ: لَوْ كَانَ هَذَا مَا كَانَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأَرْبَعٍ، وَيَنْكِحَ مِنْ الْإِمَاءِ مَا يَشَاءُ، وَلَا تَزِيدُ امْرَأَةٌ عَلَى رَجُلٍ، وَلَهَا مِنْ الْقَسْمِ الرُّبُعُ، وَحَاشَا حِكْمَتِهِ أَنْ يُضَيِّقَ عَلَى الْأَحْوَجِ. وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَبَعْضُهُمْ يَرْفَعُهُ: «فُضِّلَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى الرَّجُلِ بِتِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ جُزْءًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute