عُمَرَ اتِّبَاعًا لَهُ. قَالَ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ "، وَعَلَى هَذَا كُلُّ مَنْ أَرَادَ مُخَالَطَةَ إنْسَانٍ امْتَحَنَهُ حَتَّى يَعْرِفَ بِرَّهُ أَوْ فُجُورَهُ أَوْ تَوْبَتَهُ، وَيَسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ مَنْ يَعْرِفُهُ (وَاخْتَارَ جَمْعٌ) مِنْهُمْ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ: لَا يَنْبَغِي امْتِحَانُهَا بِطَلَبِ الزِّنَا مِنْهَا بِحَالٍ، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ تَكُونُ تَوْبَتُهَا كَتَوْبَةِ غَيْرِهَا، فَإِذَا نَدِمَتْ، وَأَقْلَعَتْ وَعَزَمَتْ عَلَى أَنْ لَا تَعُودَ؛ فَإِنَّهَا تَصِحُّ تَوْبَتُهَا (وَلَوْ لَمْ تُرَاوَدْ) لِأَنَّ التَّوْبَةَ مِنْ سَائِرِ الذُّنُوبِ فِي حَقِّ سَائِرِ النَّاسِ بِالنِّسْبَةِ إلَى سَائِرِ الْأَحْكَامِ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ، فَكَذَلِكَ هُنَا، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ؛ لِنَصِّ الْإِمَامِ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ هَانِئٍ وَقَدْ سُئِلَ: مَا عِلْمُهُ بِأَنَّهَا قَدْ تَابَتْ؟ قَالَ: يُرِيدُهَا عَلَى مَا كَانَ أَرَادَهَا عَلَيْهِ، فَإِنْ امْتَنَعَتْ فَهِيَ تَائِبَةٌ يَتَزَوَّجُهَا، وَإِنْ طَاوَعَتْهُ فَلَا يَتَزَوَّجُهَا، وَكَذَلِكَ نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ عَنْهُ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، فَإِنْ تَابَتْ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا، حَلَّتْ لِزَانٍ كَغَيْرِهِ، لَا يُقَالُ: الْمُرَاوَدَةُ مِنْ التَّجَسُّسِ عَلَى الْعَيْبِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَجَسَّسُوا} [الحجرات: ١٢] لِأَنَّا نَقُولُ: الْأُمُورُ بِمَقَاصِدِهَا، وَالْقَصْدُ بِمُرَاوَدَتِهَا الْعِلْمُ بِأَنَّهَا فِرَاشًا لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ، فَيَقْدُمُ عَلَى ذَلِكَ، أَوْ بِعَدَمِهِ فَلَا يَقْدُمُ هُوَ عَلَيْهِ، وَيَنْصَحُ مَنْ كَانَ غَافِلًا، أَوْ مَنْ اسْتَنْصَحَهُ فِي ذَلِكَ؛ إذَا النَّصِيحَةُ وَاجِبَةٌ، وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ، وَلَيْسَ الْغَرَضُ الْعِلْمَ بِعَيْبِهَا فَقَطْ، كَمَا تَوَهَّمَهُ الْمُوَفَّقُ، فَقَالَ بِحُرْمَةِ الْمُرَاوَدَةِ، قَالَهُ الْخَلْوَتِيُّ.
(وَ) تَحْرُمُ عَلَيْهِ (مُطَلَّقَتُهُ ثَلَاثًا) بِكَلِمَةٍ أَوْ كَلِمَاتٍ (حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَتَنْقَضِيَ عِدَّتُهُمَا) أَيْ: الزَّانِيَةِ وَالْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا مِنْ زَوْجٍ نَكَحَتْهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠] وَالْمُرَادُ بِالنِّكَاحِ هُنَا الْوَطْءُ، «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِامْرَأَةِ رِفَاعَةَ لَمَّا أَرَادَتْ أَنْ تَرْجِعَ إلَيْهِ بَعْدَ أَنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَتَزَوَّجَتْ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزُّبَيْرِ: لَا، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute