أَيْ: طَلَّقْت نَفْسِي (كِنَايَةٌ عَنْ الْفَسْخِ) فَيُفْسَخُ بِهِ نِكَاحُهَا إنْ نَوَتْ بِهِ الْفُرْقَةَ، لِأَنَّهُ يُؤَدِّي مَعْنَى الْفَسْخِ، فَصَلُحَ كَوْنُهُ كِنَايَةً عَنْهُ (كَعَكْسِهِ) أَيْ: كَمَا أَنَّ الْفَسْخَ كِنَايَةٌ عَنْ الطَّلَاقِ، وَلَيْسَ فَسْخُهَا لِنِكَاحِهَا طَلَاقًا، لِحَدِيثِ: «الطَّلَاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ» وَكَمَا لَوْ أَرْضَعَتْ مَنْ يُفْسَخُ بِهِ نِكَاحُهَا، وَلَهَا الْفَسْخُ (وَلَوْ مُتَرَاخِيًا) كَخِيَارِ الْعَيْبِ (مَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهَا مَا يَدُلُّ عَلَى رِضًا) بِالْمُقَامِ مَعَهُ. رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأُخْتِهِ حَفْصَةَ، لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد: «أَنَّ بَرِيرَةَ عَتَقَتْ وَهِيَ عِنْدَ مُغِيثٍ عَبْدٌ لِآلِ أَبِي مُحَمَّدٍ، فَخَيَّرَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ لَهَا: إنْ قَرِبَك فَلَا خِيَارَ لَك» . وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا أَعْلَمُ لِابْنِ عُمَرَ وَحَفْصَةَ مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ (وَلَا يَحْتَاجُ) نُفُوذُ (فَسْخِهَا لِحُكْمِ حَاكِمٍ) لِلْإِجْمَاعِ، وَعَدَمِ احْتِيَاجِهِ لِلِاجْتِهَادِ، كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ فِي الْبَيْعِ (بِخِلَافِ غَيْرِهَا) كَمَنْ تُرِيدُ الْفَسْخَ لِخِيَارِ الْعَيْبِ فِي النِّكَاحِ، فَإِنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، فَافْتَقَرَ إلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ، كَالْفَسْخِ لِلْإِعْسَارِ.
(فَإِنْ عَتَقَ) زَوْجُ عَتِيقَةٍ (قَبْلَ فَسْخِهَا) بَطَلَ خِيَارُهَا، لِأَنَّ الْخِيَارَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ بِالرِّقِّ وَقَدْ زَالَ بِالْمُعْتَقِ فَسَقَطَ الْخِيَارُ كَالْمَبِيعِ إذَا زَالَ عَيْبُهُ سَرِيعًا (أَوْ أَمْكَنَهُ) مِنْ وَطْئِهَا أَوْ مِنْ (مُبَاشَرَتِهَا أَوْ) أَمْكَنَتْهُ مِنْ (قُبْلَةٍ) طَائِعَةً، أَوْ قَبَّلَتْهُ هِيَ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَى (وَلَوْ جَاهِلَةً عِتْقَهَا أَوْ) جَاهِلَةً (مِلْكَ الْفَسْخِ، بَطَلَ خِيَارُهَا) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ مَوْلَاةً لِبَنِي عَدِيٍّ يُقَالُ لَهَا: زَبْرَاءُ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ عَبْدٍ فَعَتَقَتْ، قَالَتْ: فَأَرْسَلْت إلَى حَفْصَةَ، فَدَعَتْنِي فَقَالَتْ: إنَّ أَمْرَك بِيَدِك مَا لَمْ يَمَسّكِ زَوْجُك، وَإِنْ مَسَّكِ فَلَيْسَ لَك مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ، فَقُلْت: هُوَ الطَّلَاقُ ثُمَّ الطَّلَاقُ؛ فَفَارَقَتْهُ ثَلَاثًا وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ مَا لَمْ يَمَسَّهَا (وَيَجُوزُ لَهُ) أَيْ: الزَّوْجِ (الْإِقْدَامُ عَلَى وَطْئِهَا قَبْلَ عِلْمِهَا بِالْعِتْقِ) ، وَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ، لِأَنَّهُ حَقُّهُ، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُسْقِطُهُ (وَمَالَ ابْنُ رَجَبٍ لِلتَّحْرِيمِ) أَيْ: تَحْرِيمِ إقْدَامِهِ عَلَى وَطْئِهَا قَبْلَ عِلْمِهَا، وَالْمَذْهَبُ الْجَوَازُ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: قِيَاسُ مَذْهَبِنَا جَوَازُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute