هَؤُلَاءِ فِي صُفُوفِ الصَّلَاةِ لَا تَسْقُطُ الْجَمَاعَةُ، وَفِي الْجِنَازَةِ لَا تَسْقُطُ الْحُضُورُ، فَكَذَلِكَ هَا هُنَا، وَهَذِهِ شُبْهَةُ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ التَّكَبُّرِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ، نَعَمْ إنْ كَانَ يَتَكَلَّمُونَ بِكَلَامٍ مُحَرَّمٍ فَقَدْ اشْتَمَلَتْ الدَّعْوَةُ عَلَى مُحَرَّمٍ، وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا فَقَدْ اشْتَمَلَتْ عَلَى مَكْرُوهٍ.
(وَمَنْ عَلِمَ أَنْ فِي الدَّعْوَةِ مُنْكَرًا كَزَمْرٍ وَخَمْرٍ وَطَبْلٍ مُحَرَّمٍ وَعُودٍ وَجُنْكٍ) وَرَبَابٍ (وَآنِيَةٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَفُرُشٍ مُحَرَّمَةٍ، وَأَمْكَنَهُ إزَالَةُ ذَلِكَ) الْمُنْكَرِ (حَضَرَ وُجُوبًا وَ) أَزَالَهُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي بِذَلِكَ فَرْضَيْنِ: إجَابَةُ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، وَإِزَالَةُ الْمُنْكَرِ، وَإِلَّا يُمْكِنُهُ الْإِنْكَارُ (لَمْ يَحْضُرْ) وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الْحُضُورُ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَقْعُدْ عَلَى مَائِدَةٍ يُدَارُ فِيهَا الْخَمْرُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَلِأَنَّهُ يَكُونُ قَاصِدًا لِرُؤْيَةِ الْمُنْكَرِ أَوْ سَمَاعِهِ بِلَا حَاجَةٍ (وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ) الْمَدْعُوُّ (فَحَضَرَ فَشَاهَدَهُ) أَيْ: الْمُنْكَرَ (أَزَالَهُ وَجَلَسَ) بَعْدَ ذَلِكَ؛ إجَابَةً لِمَنْ دَعَاهُ (وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ) عَلَى إزَالَتِهِ (انْصَرَفَ) لِئَلَّا يَكُونَ قَاصِدًا لِرُؤْيَتِهِ أَوْ سَمَاعِهِ.
وَرَوَى نَافِعٌ قَالَ: «كُنْت أَسِيرُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَسَمِعَ زَمَّارَةَ رَاعٍ، فَوَضَعَ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ، ثُمَّ عَدَلَ عَنْ الطَّرِيقِ، فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ: يَا نَافِعُ أَتَسْمَعُ؛ حَتَّى قُلْت: لَا؛ فَأَخْرَجَ أُصْبُعَيْهِ مِنْ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى الطَّرِيقِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَنَعَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْخَلَّالُ، وَخَرَجَ أَحْمَدُ عَنْ وَلِيمَةٍ فِيهَا آنِيَةُ فِضَّةٍ، فَقَالَ الدَّاعِي نُحَوِّلُهَا، فَأَبَى أَنْ يَرْجِعَ. نَقَلَهُ حَنْبَلٌ.
وَيُفَارِقُ مَنْ لَهُ جَارٌ مُقِيمٌ عَلَى الْمُنْكَرِ وَالزَّمْرِ حَيْثُ يُبَاحُ لَهُ الْمَقَامُ؛ فَإِنَّ تِلْكَ حَالُ حَاجَةٍ؛ لِمَا فِي الْخُرُوجِ مِنْ الْمَنْزِلِ مِنْ الضَّرَرِ قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ ".
(وَإِنْ عَلِمَ الْمَدْعُوُّ بِهِ) أَيْ: بِالْمُنْكَرِ (وَلَمْ يَرَهُ، وَلَمْ يَسْمَعْهُ؛ أُبِيحَ لَهُ الْجُلُوسُ) وَالْأَكْلُ نَصًّا؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ رُؤْيَةُ الْمُنْكَرِ وَسَمَاعُهُ، وَلَمْ يُوجَدْ، وَأُبِيحَ لَهُ الِانْصِرَافُ لِإِسْقَاطِ حُرْمَةِ نَفْسِهِ بِإِيجَادِ الْمُنْكَرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute