وَعَائِشَةُ وَغَيْرِهِمْ، وَلِأَنَّ اخْتَارِي تَفْوِيضٌ مُعَيَّنٌ، فَيَتَنَاوَلُ أَقَلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَهُوَ طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ، لِأَنَّهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ، بِخِلَافِ أَمْرُك بِيَدِك؛ فَإِنَّ أَمْرًا مُضَافٌ؛ فَيَتَنَاوَلُ جَمِيعَ أَمْرِهَا (مَا لَمْ يَنْوِ أَكْثَرَ) فَإِنْ نَوَى ثِنْتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ ثَلَاثًا؛ فَيُرْجَعُ إلَى نِيَّتِهِ؛ لِأَنَّهَا كِنَايَةٌ خَفِيَّةٌ (وَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا مَتَى شَاءَتْ مَا لَمْ يَحُدَّ لَهَا حَدًّا) أَيْ: يُقَدِّرْ لَهَا وَقْتًا مُعَيَّنًا؛ فَلَا تَتَجَاوَزُهُ (أَوْ يَطَأْهَا أَوْ يَفْسَخْ) مَا جَعَلَهُ لَهَا لِدَلَالَتِهِ عَلَى رُجُوعِهِ (أَوْ تَرُدَّ هِيَ) أَيْ: الزَّوْجَةُ فَتُبْطِلُ الْوَكَالَةَ كَسَائِرِ الْوَكَالَاتِ.
(وَلَا يَقَعُ بِقَوْلِهَا) لِزَوْجِهَا (أَنْتِ طَالِقٌ) لِمَا سَبَقَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَوْ) قَوْلِهِ لَهَا أَنْتِ (مِنِّي طَالِقٌ وَطَلَّقْتُك أَوْ أَنَا طَالِقٌ) لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ صِفَةً مِنْهَا (بَلْ) يَقَعُ (بِ) قَوْلِهَا (طَلَّقْت نَفْسِي، أَوْ أَنَا مِنْك طَالِقٌ) .
(وَ) قَوْلِهِ لَهَا (اخْتَارِي نَفْسَك يَخْتَصُّ بِالْمَجْلِسِ مَا لَمْ يَشْتَغِلَا بِقَاطِعٍ) نَصًّا، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَجَابِرٍ؛ لِأَنَّهُ خِيَارُ تَمْلِيكٍ، فَكَانَ عَلَى الْفَوْرِ كَخِيَارِ الْقَبُولِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَائِشَةَ «إنِّي أَذْكُرُ لَك أَمْرًا فَلَا عَلَيْك أَنْ لَا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْك» .
فَإِنَّهُ جَعَلَ لَهَا الْخِيَارَ عَلَى التَّرَاخِي وَأَمَّا طَلِّقِي نَفْسَك وَأَمْرُك بِيَدِك؛ فَتَوْكِيلٌ، وَالتَّوْكِيلُ يَعُمُّ الزَّمَانَ مَا لَمْ يُقَيِّدْهُ بِقَيْدٍ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا، فَإِنْ اشْتَغَلَ الزَّوْجَانِ بِمَا يَقْطَعُ الْخِيَارَ عُرْفًا (مِنْ مَشْيٍ أَوْ رُكُوبٍ أَوْ تَشَاغُلٍ بِكَلَامٍ) بَطَلَ الْخِيَارُ (بِخِلَافِ مَا لَوْ قَعَدَا) بَعْدَ أَنْ كَانَا قَائِمَيْنِ، أَوْ قَعَدَ مَنْ كَانَ قَائِمًا مِنْهُمَا، أَوْ كَانَتْ قَاعِدَةً فَاتَّكَأَتْ أَوْ مُتَّكِئَةً فَقَعَدَتْ إذْ لَا دَلَالَةَ لِذَلِكَ عَلَى الْإِعْرَاضِ وَلَوْ طَالَ الْمَجْلِسُ، مَا لَمْ يَتَشَاغَلَا بِمَا يَقْطَعُهُ (أَوْ كَانَتْ) حِينَ خَيَّرَهَا (فِي صَلَاةٍ، فَأَتَمَّتْهَا) لِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى إعْرَاضِهَا، وَإِنْ أَضَافَتْ إلَيْهَا رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ؛ بَطَلَ لِلتَّشَاغُلِ (أَوْ أَكَلَتْ، أَوْ سَبَّحَتْ يَسِيرًا أَوْ قَالَتْ: بِسْمِ اللَّهِ؛ أَوْ قَالَتْ: اُدْعُ لِي شُهُودًا) أُشْهِدْهُمْ عَلَى ذَلِكَ، لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا إعْرَاضَ مِنْهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute