أَنْ يَقُولُوا إنَّ يَزِيدَ كَانَ عَلَى الصَّوَابِ وَإِنَّ الْحُسَيْنَ أَخْطَأَ فِي الْخُرُوجِ عَلَيْهِ، وَلَوْ نَظَرُوا فِي السِّيَرِ لَعَلِمُوا كَيْفَ عُقِدَتْ لَهُ الْبَيْعَةُ، وَأُلْزِمَ النَّاسُ بِهَا وَلَقَدْ فَعَلَ فِي ذَلِكَ كُلَّ قَبِيحٍ؛ ثُمَّ لَوْ قَدَّرْنَا صِحَّةَ خِلَافَتِهِ فَقَدْ بَدَتْ مِنْهُ بَوَادِرُ كُلُّهَا تُوجِبُ فَسْخَ الْعَقْدِ مِنْ رَمْيِ الْمَدِينَةِ وَالْكَعْبَةِ بِالْمَجَانِيقِ، وَقَتْلِ الْحُسَيْنِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ، وَضَرْبِهِ عَلَى ثَنِيَّتِهِ بِالْقَضِيبِ وَإِنْشَادِهِ حِينَئِذٍ:
نَفْلِقُ هَامًا مِنْ رِجَالٍ أَعِزَّةً ... عَلَيْنَا وَهُمْ كَانُوا أَعَقَّ وَأَظْلَمَا
وَحَمْلِهِ الرَّأْسَ عَلَى خَشَبَةٍ، وَإِنَّمَا يَمِيلُ جَاهِلٌ بِالسِّيرَةِ عَامِّيُّ الْمَذْهَبِ يَظُنُّ أَنَّهُ يُغِيظُ بِذَلِكَ الرَّافِضَةَ. انْتَهَى.
وَقَدْ صَرَّحَ بِلَعْنِهِ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ، وَقَالَ التَّفْتَازَانِيُّ: نَحْنُ لَا نَتَوَقَّفُ فِي شَأْنِهِ بَلْ فِي إيمَانِهِ، فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى أَعْوَانِهِ وَقَالَ ابْنُ مُحِبِّ الدِّينِ: نَحْنُ نَلْعَنُهُ عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّاعِنِينَ، وَلَعْنَةُ الْخَلَائِقِ أَجْمَعِينَ. انْتَهَى.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ يَزِيدَ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَاعْتَدَى عَلَى أَهْلِ بَيْتِ النُّبُوَّةِ، وَفَعَلَ فِيهِمْ الْأَفَاعِيلَ، وَقَتَلَ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ مَعَ الْحُسَيْنِ مِنْ إخْوَتِهِ وَأَوْلَادِهِ وَبَنِي أَخِيهِ الْحَسَنِ، وَمِنْ أَوْلَادِ جَعْفَرٍ وَعَقِيلٍ تِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، وَحُمِلَ إلَيْهِ آلُ الْبَيْتِ عَلَى أَقْتَابِ الْجِمَالِ مُوثَقِينَ بِالْحِبَالِ، وَأَوْقَفَهُمْ وَحَرَمَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُكَشِّفَاتِ الرُّءُوسِ وَالْوُجُوهِ عَلَى دَرَجِ جَامِعِ دِمَشْقَ مَوْقِفَ الْأَسَارَى. وَزَادَ بِذَلِكَ عُجْبًا وَاسْتِكْبَارًا فَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ أَفْعَالِهِ الْقَبِيحَةِ. قَالَ الْوَافِي فِي الْوَفِيَّاتِ ": إنَّ السَّبْيَ لَمَّا وَرَدَ مِنْ الْعِرَاقِ عَلَى يَزِيدَ خَرَجَ فَلَقِيَ الْأَطْفَالَ وَالنِّسَاءَ مِنْ ذُرِّيَّةِ عَلِيٍّ وَالْحُسَيْنِ وَالرُّءُوسِ عَلَى أَسِنَّةِ الرِّمَاحِ، وَقَدْ أَشْرَفُوا عَلَى ثَنِيَّةِ الْعِقَابِ، فَلَمَّا رَآهُمْ الْخَبِيثُ أَنْشَأَ يَقُولُ:
لَمَّا بَدَتْ تِلْكَ الْحُمُولُ وَأَشْرَفَتْ ... تِلْكَ الرُّءُوسُ عَلَى شَفَا جَيْرُونِي
نَعَقَ الْغُرَابُ فَقُلْت قُلْ أَوْ لَا تَقُلْ ... فَقَدْ اقْتَضَيْت مِنْ الرُّءُوسِ دُيُونِي
يَعْنِي بِذَلِكَ قَتْلَى بَدْرٍ مِنْ الْكُفَّارِ مِثْلَ جَدِّهِ أَبِي أُمِّهِ عُتْبَةُ وَخَالِدٍ وَلَدَ عُتْبَةُ وَنَحْوَهُمَا انْتَهَى.
قُلْت: فَإِنْ صَحَّ عَنْهُ هَذَا الْكَلَامُ فَلَا رَيْبَ فِي خُرُوجِهِ مِنْ رِبْقَةِ الْإِسْلَامِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ كَرَاهَةُ لَعْنِهِ.
وَقَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ الشَّافِعِيُّ: نَحْنُ نَبْرَأُ مِمَّنْ قَتَلَ الْحُسَيْنَ أَوْ أَعَانَ عَلَيْهِ أَوْ أَشَارَ بِهِ ظَاهِرًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute