وَاسْتِقْبَالُهَا (فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ شَرْطٌ لَهَا) ، أَيْ الصَّلَاةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: ١٤٤] وَهُوَ الشَّرْطُ الثَّامِنُ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ. (مَعَ قُدْرَةٍ) عَلَيْهِ (لَا مَعَ عُذْرٍ) كَعَجْزٍ عَنْ الِاسْتِقْبَالِ؛ كَالْتِحَامِ حَرْبٍ، وَهَرَبٍ مِنْ سَيْلٍ أَوْ نَارٍ أَوْ سَبُعٍ وَنَحْوِهِ (وَلَوْ) كَانَ الْعُذْرُ (نَادِرًا، كَمَرِيضٍ) ، وَمَصْلُوبٍ (وَمَرْبُوطٍ عَجَزَ عَنْ اسْتِقْبَالٍ) وَعَمَّنْ يُدِيرُهُ إلَى الْقِبْلَةِ، فَتَصِحُّ صَلَاتُهُمْ إلَى غَيْرِهَا بِلَا إعَادَةٍ، لِعَجْزِهِمْ عَنْ الشَّرْطِ فَيَسْقُطُ، كَالْقِيَامِ، وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ.
(وَصَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ عَشْرَ سِنِينَ بِمَكَّةَ) .
جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي " شَرْحِ الْخِرَقِيِّ الصَّغِيرِ " وَالسَّامِرِيُّ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَهِيَ الْمُدَّةُ الَّتِي أَقَامَهَا بِمَكَّةَ بَعْدَ الْبَعْثَةِ بِنَاءً عَلَى حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ: «بَعَثَهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ» الْحَدِيثَ.
وَمَا ذَكَرَهُ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ هُوَ أَحَدُ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ.
قَالَ الْفَخْرُ الرَّازِيّ فِي تَفْسِيرِهِ: اخْتَلَفُوا فِي صَلَاتِهِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَقَالَ قَوْمٌ: كَانَ بِمَكَّةَ يُصَلِّي إلَى الْكَعْبَةِ، فَلَمَّا صَارَ إلَى الْمَدِينَةِ أُمِرَ بِالتَّوَجُّهِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَقَالَ قَوْمٌ: بَلْ كَانَ بِمَكَّةَ يُصَلِّي إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، إلَّا أَنَّهُ يَجْعَلُ الْقِبْلَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، وَقَالَ قَوْمٌ: بَلْ كَانَ يُصَلِّي إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقَطْ بِمَكَّةَ وَبِالْمَدِينَةِ أَوَّلًا سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ أَمَرَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - بِالتَّوَجُّهِ إلَى الْكَعْبَةِ، لِمَا فِيهِ مِنْ الصَّلَاحِ. (وَ) صَلَّى أَيْضًا، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ (سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا بِالْمَدِينَةِ) ، وَقِيلَ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا.
رُوِيَ عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ «قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَصَلَّى نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute