النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَذَا أَبُوكَ وَهَذِهِ أُمُّكَ فَخُذْ بِيَدِ أَيِّهِمَا شِئْت، فَأَخَذَ بِيَدِ أُمِّهِ، فَانْطَلَقَتْ بِهِ» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ خَيَّرَ غُلَامًا بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ. رَوَاهُ سَعِيدٌ.
وَعَنْ عُمَارَةَ الْجَرْمِيِّ خَيَّرَنِي عَلِيٌّ بَيْنَ أُمِّي وَعَمِّي وَكُنْت ابْنَ سَبْعٍ أَوْ ثَمَانٍ. وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. إذَا مَالَ إلَى أَحَدِ أَبَوَيْهِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَرْفَقُ بِهِ وَأَشْفَقُ عَلَيْهِ، وَقَيَّدَ بِالسَّبْعِ؛ لِأَنَّهَا أَوَّلُ حَالٍ أَمَرَ الشَّرْعِ فِيهَا بِمُخَاطَبَتِهِ بِالصَّلَاةِ، بِخِلَافِ الْأُمِّ، فَإِنَّهَا قَدِمَتْ فِي حَالِ الصِّغَرِ لِحَاجَتِهِ إلَى حَمْلِهِ وَمُبَاشَرَةِ خِدْمَتِهِ؛ لِأَنَّهَا أَعْرَفُ بِذَلِكَ (فَإِنْ اخْتَارَ أَبَاهُ كَانَ عِنْدَهُ لَيْلًا وَنَهَارًا) لِيَحْفَظَهُ وَيُعَلِّمَهُ وَيُؤَدِّبَهُ.
(وَلَا يَمْنَعُ مِنْ زِيَارَةِ أُمِّهِ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ إغْرَاءً لَهُ بِالْعُقُوقِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ، فَيَزُورُهَا عَلَى الْعَادَةِ كَيَوْمٍ فِي الْأُسْبُوعِ (وَلَا) تَمْنَعُ (هِيَ تَمْرِيضَهُ) لِصَيْرُورَتِهِ بِالْمَرَضِ كَالصَّغِيرِ فِي الْحَاجَةِ إلَى مَنْ يَخْدُمُهُ وَيَقُومُ بِأَمْرِهِ، وَالنِّسَاءُ أَعْرَفُ بِذَلِكَ (وَإِنْ اخْتَارَهَا) أَيْ: الْأُمَّ (كَانَ عِنْدَهَا لَيْلًا) ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ السَّكَنِ وَانْحِيَازِ الرِّجَالِ إلَى الْمَسَاكِنِ، وَكَانَ (عِنْدَهُ) أَيْ: الْأَبُ (نَهَارًا) ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ التَّصَرُّفِ فِي الْحَوَائِجِ وَعَمَلِ الصَّنَائِعِ (لِيُؤَدِّبَهُ وَيُعَلِّمَهُ) لِئَلَّا يَضِيعَ (ثُمَّ إنْ عَادَ) الْغُلَامُ (فَاخْتَارَ الْآخَرُ نُقِلَ إلَيْهِ) ثُمَّ إنْ عَادَ (فَاخْتَارَ الْأَوَّلَ رَدَّ إلَيْهِ) وَهَكَذَا أَبَدًا؛ لِأَنَّ هَذَا اخْتِيَارُ تَشَهٍّ وَقَدْ يَشْتَهِي أَحَدُهُمَا فِي وَقْتٍ دُونَ آخَرَ؛ فَاتَّبَعَ مَا يَشْتَهِيهِ. (قَالَ أَبُو الْوَفَاءَ عَلِيٌّ ابْنُ عَقِيلٍ) مَعَ السَّلَامَةِ مِنْ فَسَادٍ فَأَمَّا (إنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَخْتَارُ أَحَدَهُمَا لِيُمَكِّنَهُ مِنْ الْفَسَادِ، وَيَكْرَهُ الْآخَرَ لِلْأَدَبِ؛ لَمْ يَعْمَلْ بِمُقْتَضَى شَهْوَتِهِ) انْتَهَى؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إضَاعَةً لَهُ (وَهُوَ) أَيْ: قَوْلُ ابْنِ عَقِيلٍ (حَسَنٌ وَيُقْرَعُ) بَيْنَهُمَا (إنْ لَمْ يَخْتَرْ) الصَّبِيُّ مِنْهُمَا وَاحِدًا (وَاخْتَارَهُمَا جَمِيعًا) ؛ لِأَنَّهُ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَر، وَلَا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمَا فِي حَضَانَتِهِ؛ فَلَا مُرَجِّحَ غَيْرُ الْقُرْعَةِ.
(وَإِنْ بَلَغَ) الذَّكَرُ (رَشِيدًا) ، كَانَ حَيْثُ شَاءَ لِاسْتِقْلَالِهِ بِنَفْسِهِ، وَزَوَالِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute