يُؤْخَذُ بِمِثْلِهِ، وَقَدْ نَبَّهَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُنَصِّصًا عَلَيْهِ.
فَرَوَى أَنَسٌ «أَنَّ الرُّبَيِّعِ عَمَّتَهُ كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ، فَطَبَلُوا لَهَا الْعَفْوَ فَأَبَوْا إلَّا الْقِصَاصَ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقِصَاصِ، فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ؟ لَا، وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ نَبِيًّا لَا تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا أَنَسُ كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ، فَرَضِيَ الْقَوْمُ، فَعَفَوْا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا وَالتِّرْمِذِيَّ.
فَنَصَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ كِتَابَ اللَّهِ فِي كَسْرِ السِّنِّ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ النَّفْسِ أَقْوَى مِنْ حُرْمَةِ الطَّرَفِ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ فِي النَّفْسِ دُونَ الطَّرَفِ، وَإِذَا جَرَى الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ مَعَ تَأَكُّدِ حُرْمَتِهَا؛ فَلَأَنْ يَجْرِيَ فِي الطَّرَفِ أَوْلَى (وَمَنْ لَا) يُؤْخَذُ بِغَيْرِهِ فِي نَفْسٍ (فَلَا) يُؤْخَذُ بِهِ فِيمَا دُونَهَا، كَالْأَبَوَيْنِ مَعَ وَلَدِهِمَا، وَالْحُرِّ مَعَ الْعَبْدِ، وَالْمُسْلِمِ مَعَ الْكَافِرِ، فَلَا يُقْتَصُّ لَهُ فِي طَرَفٍ وَلَا جِرَاحٍ؛ لِعَدَمِ الْمُكَافَأَةِ، وَكَذَا قَاطِعُ حَرْبِيٍّ أَوْ مُرْتَدٌّ أَوْ زَانٍ مُحْصَنٌ؛ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ وَلَوْ أَنَّهُ مِثْلَهُ، وَيُقْطَعُ حُرٌّ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ وَعَبْدٌ بِمِثْلِهِ وَذَكَرٌ بِأُنْثَى وَخُنْثَى، وَعَكْسُهُ، وَنَاقِصٌ بِكَامِلٍ كَالْعَبْدِ بِالْحُرِّ وَالْكَافِرِ بِالْمُسْلِمِ.
(وَهُوَ) ؛ أَيْ: الْقِصَاصُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ (فِي نَوْعَيْنِ) أَحَدُهُمَا (أَطْرَافٌ وَ) الثَّانِي (جُرُوحٌ، وَيَجِبُ) الْقِصَاصُ فِي النَّوْعَيْنِ (بِأَرْبَعَةِ شُرُوطٍ) : (أَحَدُهَا الْعَمْدُ الْمَحْضُ) فَلَا قِصَاصَ فِي الْخَطَأِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ فِي النَّفْسِ، وَهِيَ الْأَصْلُ فَفِيمَا دُونَهَا أَوْلَى، وَلَا فِي شَبَهِ الْعَمْدِ، وَالْآيَةُ مَخْصُوصَةٌ بِالْخَطَأِ فَكَذَا شِبْهُ الْعَمْدِ قِيَاسًا عَلَى النَّفْسِ.
الشَّرْطُ (الثَّانِي: إمْكَانُ الِاسْتِيفَاءِ) ؛ أَيْ: اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ (بِلَا حَيْفٍ، بِأَنْ يَكُونَ الْقَطْعُ مِنْ مَفْصِلٍ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَانِيهِ كَالْكُوعِ وَالْمِرْفَقِ وَالْكَعْبِ (أَوْ يَنْتَهِي إلَى حَدٍّ، كَمَارِنِ الْأَنْفِ، وَهُوَ مَا لَانَ مِنْهُ) ؛ أَيْ: الْأَنْفِ دُونَ الْعَصَبَةِ (فَلَا قِصَاصَ فِي جَائِفَةٍ) ؛ أَيْ: جُرْحٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute