عُمَرَ بَعَثَ إلَى امْرَأَةٍ مُغَنِّيَةٍ كَانَ رَجُلٌ يَدْخُلُ إلَيْهَا، فَقَالَتْ: يَا وَيْلَهَا مَا لَهَا وَلِعُمَرَ، فَبَيْنَمَا هِيَ فِي الطَّرِيقِ إذْ فَزِعَتْ، فَضَرَبَهَا الطَّلْقُ، فَأَلْقَتْ وَلَدًا، فَصَاحَ الصَّبِيُّ صَيْحَتَيْنِ ثُمَّ مَاتَ فَاسْتَشَارَ عُمَرُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَشَارَ بَعْضُهُمْ أَنْ لَيْسَ عَلَيْك شَيْءٌ إنَّمَا أَنْتَ وَالٍ وَمُؤَدِّبٌ، وَصَمَتَ عَلِيٌّ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ فَقَالَ: مَا تَقُولُ يَا أَبَا الْحَسَنِ؟ فَقَالَ إنْ كَانُوا قَالُوا بِرَأْيِهِمْ فَقَدْ أَخْطَأَ رَأْيُهُمْ، وَإِنْ كَانَ قَالُوا فِي هَوَاك فَلَمْ يَنْصَحُوا لَك إنَّ دِيَتَهُ عَلَيْك؛ لِأَنَّك أَفْزَعْتَهَا فَأَلْقَتْهُ، فَقَالَ عُمَرُ: أَقْسَمْتُ عَلَيْك أَنْ لَا تَبْرَحَ حَتَّى تُقَسِّمَهَا عَلَى قَوْمِك، وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ نَفْسٌ هَلَكَتْ بِسَبَبِ إرْسَالِهِ إلَيْهَا، فَضَمِنَهَا كَجَنِينِهَا، وَأَمَّا كَوْنُ الْمُسْتَعِدِّي يَضْمَنُ مَا كَانَ بِسَبَبِ اسْتِعْدَائِهِ؛ فَلِأَنَّهُ الدَّاعِي إلَى طَلَبِ السُّلْطَانِ لَهَا، فَكَانَ مَوْتُهَا [أَوْ] مَوْتُ جَنِينِهَا بِسَبَبِهِ؛ فَاخْتَصَّ بِهِ الضَّمَانُ (وَظَاهِرُهُ) حَتَّى.
(وَلَوْ) كَانَتْ (ظَالِمَةً) لَكِنْ قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الظَّالِمَةَ فَأَحْضَرَهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَهَا؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ كَالْقِصَاصِ، وَيَضْمَنُ جَنِينَهَا؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ بِفِعْلِهِ، كَمَا لَوْ قَبَضَ مِنْهَا (كَإِسْقَاطِهَا) ؛ أَيْ: الْأَمَةِ (بِتَأْدِيبٍ أَوْ قَطْعِ يَدٍ لَمْ يَأْذَنْ سَيِّدٌ فِيهَا، أَوْ) ؛ أَيْ: وَكَإِسْقَاطِ حَامِلٍ (بِشُرْبِ دَوَاءٍ لِمَرَضٍ) فَتَضْمَنُ حَمْلَهَا.
(وَلَوْ مَاتَتْ حَامِلٌ أَوْ مَاتَ حَمْلُهَا مِنْ رِيحِ طَعَامٍ أَوْ) مَاتَ مِنْ رِيحِ (نَحْوِ كِبْرِيتٍ) كَعَظْمٍ (ضَمِنَ رَبُّهُ إنْ عَلِمَ ذَلِكَ) ؛ أَيْ: أَنَّهَا حَامِلٌ، وَكَانَ رِيحُ الطَّعَامِ يَقْتُلُ الْحَامِلَ أَوْ حَمْلَهَا (عَادَةً) لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا رَبُّ الطَّعَامِ؛ فَلَا إثْمَ وَلَا ضَمَانَ كَرِيحِ الدُّخَانِ يَتَضَرَّرُ بِهِ صَاحِبُ السُّعَالِ وَضَيِّقُ النَّفَسِ.
(وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ أَنَّ مَحَلَّ ضَمَانِهِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّ الْعَادَةَ مُسْتَمِرَّةٌ بِأَنَّ الرَّائِحَةَ تَقْتُلُ (وَطَلَبَتْهُ) ؛ أَيْ: الطَّعَامَ وَلَوْ مَجَّانًا قِيَاسًا عَلَى الْمُضْطَرِّ (فَمَنَعَهَا) مِنْهُ فَيَضْمَنُ؛ لِتَسَبُّبِهِ فِي إتْلَافِهَا أَوْ إتْلَافِ حَمْلِهَا، كَمَا لَوْ مَنَعَهَا طَعَامَهَا وَشَرَابَهَا حَتَّى هَلَكَتْ هِيَ أَوْ جَنِينُهَا؛ (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ عِلْمُهُ) (بِ) مُجَرَّدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute