وَيَتَوَجَّهُ الْعَفْوُ فِي ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمَاءِ، لِحُصُولِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَاءِ وَغَيْرِهِ إذْ صَوْنُ الْمَاءِ عَنْ النَّجَاسَةِ بِتَغْطِيَةِ الْإِنَاءِ مُمْكِنٌ، بِخِلَافِ الثَّوْبِ، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ صَوْنُهُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا ارْتَفَعَ عَنْ النَّجَاسَةِ جَفَّ مَا عَلِقَ بِهِ مِنْهَا بِالْهَوَاءِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي الثَّوْبِ، وَلِأَنَّ الثَّوْبَ النَّجَاسَةُ فِيهِ أَخَفُّ. (أَوْ لَمْ يَمْضِ زَمَنٌ تَسْرِي فِيهِ) النَّجَاسَةُ لِمَفْهُومِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمَاءِ يَكُونُ بِالْفَلَاةِ، وَمَا يَنُوبُهُ مِنْ الدَّوَابِّ وَالسِّبَاعِ فَقَالَ: إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ» وَفِي رِوَايَةٍ «لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَفْظُهُ لِأَحْمَدَ. وَسُئِلَ ابْنُ مَعِينٍ عَنْهُ فَقَالَ: إسْنَادُهُ جَيِّدٌ، وَصَحَّحَهُ الطَّحْطَاوِيُّ.
قَالَ الْخَطَّابِيِّ: وَيَكْفِي شَاهِدًا عَلَى صِحَّتِهِ؛ أَنَّ نُجُومَ أَهْلِ الْحَدِيثِ صَحَّحُوهُ. «وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِإِرَاقَةِ مَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ» وَلَمْ يَعْتَبِرْ التَّغْيِيرَ، وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ - قَالَ: «قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ - وَهِيَ بِئْرٌ يُلْقَى فِيهَا الْحِيَضُ وَلُحُومُ الْكِلَابِ وَالنَّتْنُ -؟ قَالَ: إنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَأَبُو دَاوُد - فَالظَّاهِرُ أَنَّ مَاءَهَا كَانَ يَزِيدُ عَلَى الْقُلَّتَيْنِ. وَحَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا - «الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إلَّا مَا غَلَبَ عَلَى رِيحِهِ وَطَعْمِهِ وَلَوْنِهِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ - مُطْلَقُ حَدِيثِ " الْقُلَّتَيْنِ " مُقَيَّدٌ، فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ. وَبَاءُ بُضَاعَةَ: تُضَمُّ وَتُكْسَرُ.
(فَائِدَةٌ) : قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ فِي بِرْكَتَيْنِ، وَلَيْسَتْ إحْدَاهُمَا أَعْلَى مِنْ الْأُخْرَى، وَبَيْنَهُمَا سَاقِيَّةٌ لَطِيفَةٌ يَتَّصِلُ بِهِمَا الْمَاءَانِ، وَفِي إحْدَاهُمَا نَجَاسَةٌ: فَهِيَ فِي حُكْمِ الْمَاءِ الْوَاحِدِ، فَإِنْ كَانَ مَجْمُوعُهُمَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ، أَوْ كَانَا مُتَغَيِّرَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا: فَالْجَمِيعُ نَجِسٌ، وَإِنْ كَانَا أَكْثَرَ مِنْ قُلَّتَيْنِ، وَلَا تَغَيُّرَ: فَكُلٌّ مِنْهُمَا طَهُورٌ، وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا مُسْتَعْلِيَةً يَنْضُبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute