للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَالتَّقْلِيدُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ، وَالرَّوْثُ الْمَذْكُورُ طَاهِرٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ.

وَذَلِكَ فِي الْجَوَازِ نَظِيرُ مَا لَوْ حَكَمَ الْحَاكِمُ فِي مُخْتَلَفٍ فِيهِ، غَايَةَ مَا هُنَاكَ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ مِنْ حَيْثُ لَا يَسُوغُ لِلْمُخَالِفِ نَقْضُهُ سَدًّا لِلنِّزَاعِ، وَقَطْعًا لِلْخُصُومَاتِ.

وَهُنَا التَّقْلِيدُ نَافِعٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، مُنَجٍّ لِصَاحِبِهِ، وَلَا يَسَعُ النَّاسَ غَيْرُ هَذَا.

وَاعْلَمْ أَنَّ التَّلْفِيقَ كَمَا يَتَأَتَّى فِي الْعِبَادَاتِ، كَذَلِكَ يَتَأَتَّى فِي غَيْرِهَا، فَلَوْ اسْتَأْجَرَ مَكَانًا مَوْقُوفًا تِسْعِينَ سَنَةً مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ، مُقَلَّدًا فِي الْمُدَّةِ لِلشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَفِي عَدَمِ الرُّؤْيَةِ لِأَبِي حَنِيفَةَ، جَازَ لَهُ ذَلِكَ، وَقَالَ: هَذَا مِنْ حَيْثُ التَّقْلِيدِ الْمُنْجِي لِصَاحِبِهِ.

وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ النِّزَاعِ، فَالْأَمْرُ بِحَالِهِ، بِمَعْنَى أَنَّ الْأَمْرَ لَوْ رُفِعَ إلَى حَاكِمٍ يَرَى الْبُطْلَانَ، فَإِنَّهُ يَعْمَلُ بِذَلِكَ فِي مَذْهَبِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا وَجَدَ الْحُكْمَ.

انْتَهَى مُلَخَّصًا.

ثُمَّ قَالَ: فَتَدَبَّرْ مَا قُلْتُهُ فَإِنَّهُ الْحَقُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(وَيُخَيَّرُ) جَاهِلٌ وَأَعْمَى وُجِدَا مُجْتَهِدَيْنِ فَأَكْثَرَ (مَعَ تَسَاوٍ عِنْدَهُ) ، بِأَنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ أَفْضَلِيَّةُ وَاحِدٍ عَلَى غَيْرِهِ، فَيَتْبَعُ أَيَّهُمَا شَاءَ (كَ) مَا يُخَيَّرُ (عَامِّيٌّ فِي الْفُتْيَا) لِمَا تَقَدَّمَ. (وَمَنْ) عَجَزَ عَنْ الِاجْتِهَادِ، (وَقَلَّدَ اثْنَيْنِ) مُجْتَهِدَيْنِ، (لَمْ يَرْجِعْ بِرُجُوعِ أَحَدِهِمَا) عَنْ الْجِهَةِ الَّتِي اتَّفَقَا عَلَيْهَا أَوَّلًا.

(وَإِنْ صَلَّى بَصِيرٌ حَضَرًا فَأَخْطَأَ، أَوْ) صَلَّى (أَعْمَى مُطْلَقًا) حَضَرًا كَانَ أَوْ سَفَرًا (بِلَا دَلِيلٍ، أَعَادَا) ، أَيْ: الْبَصِيرُ الْمُخْطِئُ وَلَوْ اجْتَهَدَ، وَالْأَعْمَى وَلَوْ لَمْ يُخْطِئْ الْقِبْلَةَ؛ لِأَنَّ الْحَضَرَ لَيْسَ مَحِلًّا لِلِاجْتِهَادِ؛ لِقُدْرَةِ مَنْ فِيهِ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِالْمَحَارِيبِ وَنَحْوِهَا، لِوُجُودِ مَنْ يُخْبِرُهُ عَنْ يَقِينٍ غَالِبًا.

وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ عَلَيْهِمَا لِتَفْرِيطِهِمَا بِعَدَمِ الِاسْتِخْبَارِ أَوْ الِاسْتِدْلَالِ بِالْمَحَارِيبِ، كَمَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ. (وَ) إنْ صَلَّى الْأَعْمَى (بِدَلِيلٍ، كَلَمْسِ مِحْرَابٍ، وَبَابِ مَسْجِدٍ، فَلَا)

<<  <  ج: ص:  >  >>