للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَلَا يَجِبُ حَدٌّ) إلَّا عَلَى مُكَلَّفٍ مُخْتَارٍ لِحَدِيثِ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ. وَلِأَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ إذَا سَقَطَ عَنْهُ التَّكْلِيفُ فِي الْعِبَادَاتِ وَالْإِثْمُ فِي الْمَعَاصِي؛ فَالْحَدُّ الْمَبْنِيُّ عَلَى الدَّرْءِ بِالشُّبُهَاتِ أَوْلَى، وَكَذَا لَا حَدَّ عَلَى نَائِمٍ وَنَائِمَةٍ (عَالِمٍ بِالتَّحْرِيمِ) لِقَوْلِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ: لَا حَدَّ إلَّا عَلَى مَنْ عَلِمَهُ. فَلَا حَدَّ عَلَى مَنْ جَهِلَهُ كَمَنْ جَهِلَ تَحْرِيمَ الزِّنَا أَوْ عَيْنَ الْمَرْأَةِ كَأَنْ زُفَّتْ إلَيْهِ غَيْرُ امْرَأَتِهِ، وَطِئَهَا ظَنًّا أَنَّهَا امْرَأَتُهُ وَنَحْوُهُ، لِحَدِيثِ: «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ مَا اسْتَطَعْتُمْ» (مُلْتَزِمٍ) أَحْكَامَ الْمُسْلِمِينَ (كَذِمِّيٍّ لَا) حَرْبِيٍّ " مُعَاهِدٍ وَمُسْتَأْمَنٍ " وَتَقَدَّمَ فِي هُدْنَةٍ يُؤْخَذُ مُهَادَنٌ بِحَدٍّ لِآدَمِيٍّ كَحَدِّ قَذْفٍ وَسَرِقَةٍ لَا بِحَدٍّ لِلَّهِ كَزِنًا.

(وَإِقَامَتُهُ) ؛ أَيْ: الْحَدِّ (لِإِمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ مُطْلَقًا) : أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ الْحَدُّ لِلَّهِ كَحَدِّ زِنًا أَوْ لِآدَمِيٍّ كَحَدِّ قَذْفٍ؛ لِأَنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَى الِاجْتِهَادِ، وَلَا يُؤْمَنُ فِيهِ الْحَيْفُ؛ فَوَجَبَ تَفْوِيضُهُ إلَى نَائِبِ اللَّهِ تَعَالَى فِي خَلْقِهِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُقِيمُ الْحُدُودَ فِي حَيَاتِهِ وَكَذَا خُلَفَاؤُهُ مِنْ بَعْدِهِ، وَيَقُومُ نَائِبُ الْإِمَامِ فِيهِ مَقَامَهُ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «وَاغْدُ يَا أُنَيْسٌ إلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا، فَاعْتَرَفَتْ، فَرَجَمَهَا» . وَأَمَرَ بِرَجْمِ مَاعِزٍ وَلَمْ يَحْضُرْهُ وَقَالَ فِي سَارِقٍ أُتِيَ بِهِ: «اذْهَبُوا بِهِ فَاقْطَعُوهُ» .

(وَتَحْرُمُ شَفَاعَةٌ) فِي حَدٍّ لِلَّهِ تَعَالَى بَعْدَ أَنْ يَبْلُغَ الْإِمَامَ، (وَ) يَحْرُمُ (قَبُولُهَا) ؛ أَيْ: الشَّفَاعَةِ فِي (حَدٍّ لِلَّهِ) تَعَالَى (بَعْدَ أَنْ يَبْلُغَ الْحَاكِمَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «فَهَلَّا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ» وَلِأَنَّ الشَّفَاعَةَ طَلَبُ فِعْلٍ مُحَرَّمٍ عَلَى مَنْ طَلَبَهُ مِنْهُ.

(وَلِسَيِّدٍ حُرٍّ مُكَلَّفٍ عَالِمٍ بِهِ) ؛ أَيْ: الْحَدِّ (وَبِشُرُوطِهِ، وَلَوْ) كَانَ، السَّيِّدُ (فَاسِقًا أَوْ امْرَأَةً إقَامَتُهُ) ؛ أَيْ: الْحَدَّ (بِجَلْدِ خَاصَّتِهِ) عَلَى رَقِيقِهِ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «إذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا»

<<  <  ج: ص:  >  >>