إلَى الزَّجْرِ عَنْ الْمَعَاصِي حِفْظًا لِأَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ، وَلَوْ لَمْ يُشْرَعْ الْحَدُّ فِيهِ لَتَعَطَّلَتْ الْحُدُودُ فِي حَقِّهِمْ، وَفَاتَتْ الْمَصَالِحُ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا.
(وَمَنْ قُوتِلَ فِيهِ) ؛ أَيْ: الْحَرَمِ (دَفَعَ عَنْ نَفْسِهِ فَقَطْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: " {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: ١٩١] قُرِئَ بِهِمَا، ذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّ مُجَاهِدًا وَغَيْرَهُ قَالُوا: الْآيَةُ مُحْكَمَةٌ. وَفِي التَّمْهِيدِ " أَنَّهَا نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: ٥] وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ تُقَاتَلُ الْبُغَاةُ إذَا لَمْ يَنْدَفِعْ بَغْيُهُمْ إلَّا بِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ، وَحِفْظُهَا فِي حَرَمِهِ أَوْلَى مِنْ إضَاعَتِهَا، وَذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَحَمَلَ الْخَبَرَ عَلَى مَا يَعُمُّ إتْلَافَهُ كَالْمَنْجَنِيقِ إذَا أَمْكَنَ إصْلَاحٌ بِدُونِ ذَلِكَ.
(وَذَكَرَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيِّ لَوْ تَغَلَّبَ فِيهِ كُفَّارٌ أَوْ بُغَاةٌ، وَجَبَ قِتَالُهُمْ فِيهِ) ؛ أَيْ: الْحَرَمِ (بِالْإِجْمَاعِ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: إنْ تَعَدَّى أَهْلُ مَكَّةَ عَلَى الرَّكْبِ؛ فَإِنَّهُ (يُدْفَعُ مُتَعَدٍّ فِيهِ) ؛ أَيْ: الْحَرَمِ (كَ) مَا يُدْفَعُ (الصَّائِلُ) وَلِلْإِنْسَانِ أَنْ يَدْفَعَ مَعَ الرَّكْبِ، بَلْ يَجِبُ إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ.
وَفِي " الْهَدْيِ النَّبَوِيِّ " الطَّائِفَةُ الْمُمْتَنِعَةُ بِالْحَرَمِ مِنْ مُبَايَعَةِ الْإِمَامِ لَا تُقَاتَلُ، لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ لَهَا تَأْوِيلٌ.
(وَلَا تَعْصِمُ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ وَسَائِرُ الْبِقَاعِ شَيْئًا مِنْ الْحُدُودِ وَالْجِنَايَاتِ) فَلَوْ أَتَى بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ دَخَلَ شَهْرٌ حَرَامٌ؛ أُقِيم عَلَيْهِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ قَبْلَهُ؛ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ.
(وَإِذَا أَتَى غَازٍ حَدًّا، أَوْ أَتَى قَوَدًا) وَهُوَ (بِأَرْضِ الْعَدُوِّ أَوْ خَارِجِهَا، ثُمَّ دَخَلَ إلَيْهَا؛ لَمْ يُؤْخَذْ بِهِ) ؛ أَيْ: الْحَدِّ أَوْ الْقَوَدِ (حَتَّى يَرْجِعَ لِدَارِ الْإِسْلَامِ) لِخَبَرِ بَشِيرِ بْنِ أَرْطَاةَ أَنَّهُ أَتَى بِرَجُلٍ فِي الْغَزَاةِ قَدْ سَرَقَ بُخْتِيَّةً فَقَالَ: لَوْلَا أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَوْ تُقْطَعُ الْأَيْدِي فِي الْغَزَاةِ لَقَطَعْتُكَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ. قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": وَهُوَ إجْمَاعٌ لِلصَّحَابَةِ، فَإِذَا رَجَعَ إلَى دَارِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute