الزِّنَا) وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ أَيُّ: الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قَالَ: أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ. قَالَ: قُلْتُ ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: أَنْ تَزْنِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تَصْدِيقَهَا {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} [الفرقان: ٦٨] الْآيَةَ» . وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ أَعْلَاهُ لِيُطَابِقَ جَوَابُهُ سُؤَالَ السَّائِلِ؛ فَإِنْ سَأَلَهُ عَنْ أَعْظَمِ الذَّنْبِ فَأَجَابَهُ بِمَا تَضَمَّنَ ذِكْرَ أَعْظَمِ أَنْوَاعِهَا، وَمَا هُوَ أَعْظَمُ كُلِّ نَوْعٍ.
فَأَعْظَمُ أَنْوَاعِ الشِّرْكِ أَنْ يَجْعَلَ الْعَبْدُ لِلَّهِ نِدًّا، وَأَعْظَمُ أَنْوَاعِ الْقَتْلِ أَنْ يَقْتُلَ وَلَدَهُ خَشْيَةَ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ، وَأَعْظَمُ أَنْوَاعِ الزِّنَا أَنْ يَزْنِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِهِ؛ فَإِنَّ مَفْسَدَةَ الزِّنَا تُضَاعَفُ بِتَضَاعُفِ مَا انْتَهَكَهُ مِنْ الْحَقِّ.
(وَ) عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الزِّنَا (يَتَفَاوَتُ) إثْمُهُ وَيَعْظُمُ جُرْمُهُ بِحَسَبِ مَوَارِدِهِ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ (فَزِنًا بِذَاتِ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ) لَهُ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ (أَعْظَمُ مِنْ زِنًا بِمَنْ لَا زَوْجَ لَهَا أَوْ أَجْنَبِيَّةٍ) إذْ فِيهِ انْتِهَاكُ حُرْمَةِ الزَّوْجِ، وَإِفْسَادُ فِرَاشِهِ، وَتَعْلِيقُ نَسَبٍ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ أَذَاهُ، فَهُوَ أَعْظَمُ إثْمًا وَجُرْمًا مِنْ الزِّنَا بِغَيْرِ ذَاتِ الْبَعْلِ وَالْأَجْنَبِيَّةِ (فَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا جَارًا انْضَمَّ لَهُ سُوءُ الْجِوَارِ) وَإِيذَاءُ جَارٍ بِأَعْلَى أَنْوَاعِ الْأَذَى، وَذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ الْبَوَائِقِ أَوْ كَانَ الْجَارُ أَخًا (أَوْ قَرِيبًا) مِنْ أَقَارِبِهِ (انْضَمَّ لَهُ قَطِيعَةُ الرَّحِمِ) فَيَتَضَاعَفُ الْإِثْمُ.
وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ» وَلَا بَائِقَةَ أَعْظَمُ مِنْ الزِّنَا بِامْرَأَةِ الْجَارِ، فَإِنْ كَانَ الْجَارُ غَائِبًا فِي طَاعَةِ اللَّهِ كَالْعِبَادَةِ وَطَلَبِ الْعِلْمِ وَالْجِهَادِ تَضَاعَفَ الْإِثْمُ حَتَّى إنَّ الزَّانِيَ بِامْرَأَةِ الْغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوقَفُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيُقَالُ: خُذْ عَلَى حَسَنَاتِهِ مَا شِئْتَ. «قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَا: ظَنُّكُمْ؟»
[أَيْ:] مَا ظَنُّكُمْ أَنْ يُتْرَكَ لَهُ مِنْ حَسَنَاتِهِ قَدْ حَكَمَ فِي أَنَّهُ يَأْخُذُ مَا شَاءَ عَلَى شِدَّةِ الْحَاجَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute