يَسْكَرْ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ التَّحْرِيمِ الشِّدَّةُ الْحَادِثَةُ فِيهِ، وَهِيَ تُوجَدُ بِوُجُودِ الْغَلَيَانِ، فَإِذَا غَلَى حَرُمَ.
لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَصُومُ فَتَحَيَّنْتُ فِطْرَهُ بِنَبِيذٍ صَنَعْتُهُ فِي دُبَّاءَ ثُمَّ أَتَيْتُهُ بِهِ، فَإِذَا هُوَ يَنِشُّ، فَقَالَ: اضْرِبْ بِهَذَا الْحَائِطَ، فَإِنَّ هَذَا شُرْبُ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ» ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ (أَوْ) ؛ أَيْ: وَيَحْرُمُ عَصِيرٌ (أَتَى عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهِنَّ) وَإِنْ لَمْ يُغْلَ نَصًّا؛ لِمَا رُوِيَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَشْرَبُهُ إلَى مَسَاءِ ثَلَاثَةٍ، ثُمَّ يَأْمُرُ بِهِ فَيُسْقَى الْخَدَمَ، أَوْ يُهْرَاقُ» ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرَوَى الشَّالَنْجِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «اشْرَبُوا الْعَصِيرَ ثَلَاثَةً مَا لَمْ يَغْلِ» ) وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي الْعَصِيرِ: أَشْرَبُهُ مَا لَمْ يَأْخُذْهُ شَيْطَانُهُ. قِيلَ وَفِي كَمْ يَأْخُذُهُ شَيْطَانُهُ؟ قَالَ فِي ثَلَاثَةٍ. حَكَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، وَلِأَنَّ الشِّدَّةَ تَحْصُلُ فِي ثَلَاثٍ غَالِبًا، وَهِيَ خَفِيَّةٌ تَحْتَاجُ إلَى ضَابِطٍ، وَالثَّلَاثُ تَصْلُحُ لِذَلِكَ؛ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهَا بِهَا.
(وَإِنْ طُبِخَ) الْعَصِيرُ (قَبْلَ تَحْرِيمِهِ) ؛ أَيْ: قَبْلَ غَلَيَانِهِ وَقَبْلَ إتْيَانِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهِنَّ عَلَيْهِ (حَلَّ إنْ ذَهَبَ) بِطَبْخِهِ (ثُلُثَاهُ) فَأَكْثَرُ نَصًّا ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، لِأَنَّ أَبَا مُوسَى كَانَ يَشْرَبُ مِنْ الطِّلَاءِ مَا بَقِيَ ثُلُثُهُ وَذَهَبَ ثُلُثَاهُ. رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَلَهُ مِثْلُهُ عَنْ عُمَرَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَلِأَنَّ الْعَصِيرَ إنَّمَا يَغْلِي لِمَا فِيهِ مِنْ الرُّطُوبَةِ، فَإِذَا غَلَى عَلَى النَّارِ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ فَقَدْ ذَهَبَ أَكْثَرُ رُطُوبَتِهِ، فَلَا يَكَادُ يَغْلِي، وَإِذَا لَمْ يَغْلِ لَمْ تَحْصُلْ فِيهِ الشِّدَّةُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالرُّبَّى، وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ حِينَ قَالَ لَهُ أَبُو دَاوُد أَنَّهُ يُسْكِرُ، فَقَالَ: لَوْ كَانَ يُسْكِرُ مَا أَحَلَّهُ عُمَرُ.
(وَلَا) يَحِلُّ عَصِيرٌ طُبِخَ فَذَهَبَ بِطَبْخِهِ (أَقَلُّ) مِنْ ثُلُثَيْهِ (خِلَافًا لِلْمُوَفَّقِ) وَالشَّارِحِ فَإِنَّهُمَا اعْتَبَرَا فِي حِلِّهِ عَدَمَ إسْكَارِهِ؛ سَوَاءٌ ذَهَبَ بِطَبْخِهِ ثُلُثَاهُ أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute