(وَسُنَّ تَعْلِيقُهَا) ؛ أَيْ: يَدُ السَّارِقِ الْمَقْطُوعَةِ (فِي عُنُقِهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامِ إنْ رَآهُ الْإِمَامُ) ؛ أَيْ: أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَيْهِ لِتَتَّعِظَ السُّرَّاقُ (فَإِنْ عَادَ) مَنْ قُطِعَتْ يَمِينُهُ إلَى السَّرِقَةِ (قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى) مَعَ بُرْءِ يَدِهِ (الْأُولَى) ؛ أَيْ: الَّتِي قُطِعَتْ أَوَّلًا (وَإِلَّا) بِأَنْ عَادَ ثَانِيًا إلَى السَّرِقَةِ قَبْلَ الْبُرْءِ (ف) لَا تُقْطَعُ رِجْلُهُ (حَتَّى تَنْدَمِلَ) يَدُهُ؛ أَيْ يَبْرَأَ جُرْحَهَا (مِنْ مِفْصَلِ كَعْبِهِ بِتَرْكِ عَقِبِهِ) لِفِعْلِ عُمَرَ، وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يَقْطَعُ مِنْ شَطْرِ الْقَدَمِ مِنْ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ، وَيَتْرُكُ لَهُ عَقِبًا يَمْشِي عَلَيْهَا، وَالْأَصْلُ فِي قَطْعِ الرَّجُلِ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي السَّارِقِ: إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ، ثُمَّ إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ» .
وَلِأَنَّهُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ وَإِنَّمَا قُطِعَتْ الرِّجْلُ الْيُسْرَى؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ} [المائدة: ٣٣] وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الْمُحَارَبَةِ ثَبَتَ فِي السَّرِقَةِ قِيَاسًا عَلَيْهَا؛ وَلِأَنَّ قَطْعَ الرِّجْلِ الْيُسْرَى أَرْفَقُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَشْيَ عَلَى الرِّجْلِ الْيُمْنَى أَسْهَلُ وَأَمْكَنُ، وَيَبْعُدُ فِي الْعَادَةِ أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ الْمَشْيِ عَلَى الْيُسْرَى، فَوَجَبَ قَطْعُ الْيُسْرَى لِئَلَّا تَتَعَطَّلَ مِنْهُ مَنْفَعَةٌ بِلَا ضَرُورَةٍ (وَحُسِمَتْ) وُجُوبًا، وَصِفَةُ الْقَطْعِ أَنْ يَجْلِسَ السَّارِقُ وَيُضْبَطَ، لِئَلَّا يَتَحَرَّكَ فَيَجْنِيَ عَلَى نَفْسِهِ، وَتُشَدَّ يَدُهُ بِحَبْلٍ، أَوْ تُجَرَّ حَتَّى يَتَيَقَّنَ الْمِفْصَلَ، ثُمَّ تُوضَعُ السِّكِّينُ، وَتُجَرُّ بِقُوَّةٍ لِيُقْطَعَ فِي مَرَّةٍ (فَإِنْ عَادَ) فَسَرَقَ بَعْدَ قَطْعِ يَدِهِ وَرِجْلِهِ (حُبِسَ حَتَّى يَتُوبَ، وَيَحْرُمُ أَنْ يُقْطَعَ) .
رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: " حَضَرْت عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أُتِيَ بِرَجُلٍ مَقْطُوعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ قَدْ سَرَقَ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: مَا تَرَوْنَ فِي هَذَا؟ قَالُوا: اقْطَعْهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ: أَقْتُلُهُ إذَنْ، وَمَا عَلَيْهِ الْقَتْلُ بِأَيِّ شَيْءٍ يَأْكُلُ الطَّعَامَ؛ بِأَيِّ شَيْءٍ يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ؛ بِأَيِّ شَيْءٍ يَقُومُ لِحَاجَتِهِ؟ فَرَدَّهُ إلَى السِّجْنِ أَيَّامًا ثُمَّ أَخْرَجَهُ، فَاسْتَشَارَ أَصْحَابَهُ، فَقَالُوا مِثْلَ قَوْلِهِمْ الْأَوَّلِ؛ وَقَالَ لَهُمْ مِثْلَ مَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ؛ فَجَلَدَهُ جَلْدًا شَدِيدًا ثُمَّ أَرْسَلَهُ ". رَوَاهُ سَعِيدٌ.
وَلِأَنَّ فِي قَطْعِ يَدِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute