(فَمَنْ ادَّعَى النُّبُوَّةَ، أَوْ صَدَّقَهُ) ؛ أَيْ: مَنْ صَدَّقَ مَنْ ادَّعَاهَا؛ كَفَرَ؛ لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِلَّهِ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: ٤٠] وَلِحَدِيثِ: «لَا نَبِيَّ بَعْدِي» .
وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ ثَلَاثُونَ كَذَّابًا كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ» (أَوْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ تَعَالَى) كَفَرَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: ٤٨] (أَوْ سَبَّهُ) ؛ أَيْ: اللَّهَ تَعَالَى: (أَوْ) سَبَّ (رَسُولًا لَهُ أَوْ مَلَكًا لَهُ) كَفَرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسُبُّهُ إلَّا وَهُوَ جَاحِدٌ لَهُ (أَوْ جَحَدَ رُبُوبِيَّتَهُ) ؛ أَيْ: اللَّهِ تَعَالَى (أَوْ) جَحَدَ (وَحْدَانِيَّتَهُ أَوْ) جَحَدَ (صِفَةً) مِنْ صِفَاتِهِ الذَّاتِيَّةِ اللَّازِمَةِ قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ "؛ أَيْ: فَإِنَّهُ يَكْفُرُ؛ لِأَنَّهُ كَجَاحِدِ الْوَحْدَانِيَّةِ.
(وَيَتَّجِهُ) مَحَلُّ كُفْرِ جَاحِدٍ صِفَةً مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى إذَا كَانَتْ الصِّفَةُ مُتَّفَقٌ عَلَى إثْبَاتِهَا (كَقَدِيرٍ وَبَصِيرٍ) وَنَحْوِهِمَا كَسَمِيعٍ؛ إذْ هَذِهِ صِفَاتٌ قَدِيمَةٌ أَزَلِيَّةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ مُؤَثِّرَةٌ بِالْمَقْدُورَاتِ الْمُمْكِنَةِ عِنْدَ تَعَلُّقِهَا بِهَا، وَمُتَعَلِّقَةٌ بِالْمُبْصِرَاتِ وَالْمَسْمُوعَاتِ بِاتِّفَاقِ؛ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَ (لَا) يَكْفُرُ بِجَحْدِهِ (الْقُدْرَةَ وَالْبَصَرَ) لِلِاخْتِلَافِ فِيهِمَا إذْ مِنْ النَّاسِ مِنْ يَقُولُ عَنْ الْقُدْرَةِ إنَّهَا الْعِلْمُ بِالْمَقْدُورَاتِ، وَعَنْ الْبَصَرِ إنَّهُ الْعِلْمُ بِالْمُبْصَرَاتِ وَهَكَذَا، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، بَلْ مَذْهَبُ سَائِرِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْقُدْرَةِ وَالْبَصَرِ وَالسَّمْعِ صِفَةٌ مُغَايِرَةٌ لِلْعِلْمِ زَائِدَةٌ عَلَى الذَّاتِ كَسَائِرِ الصِّفَاتِ؛ لِظَاهِرِ الْأَحَادِيثِ وَالْآيَاتِ.
قَالَ: فِي " الْمَوَاقِفِ " بَعْدَ تَقْرِيرِ الْمَسْأَلَةِ: وَظَوَاهِرُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ تَدُلُّ عَلَى الْمُغَايَرَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَة وَالْبَصَرِ وَالسَّمْعِ انْتَهَى.
إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ لِلَّهِ قُدْرَةً وَبَصَرًا قَدِيمِينَ زَائِدَيْنِ عَلَى ذَاتِهِ الْمُقَدَّسَةِ؛ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ قِدَمِ الْقُدْرَةِ قِدَمُ الْمَقْدُورَاتِ، وَلَا مِنْ (قِدَمِ) الْبَصَرِ قِدَمُ الْمُبْصَرَاتِ كَمَا لَا يَلْزَمُ مِنْ قِدَمِ السَّمْعِ وَالْعِلْمِ قِدَمُ الْمَسْمُوعَاتِ وَالْمَعْلُومَاتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute