(وَ) مَنْ حَلَفَ (عَلَى فِعْلِ مُحَرَّمٍ أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ، وَجَبَ حِنْثُهُ) لِئَلَّا يَأْثَمُ بِفِعْلِ الْمُحَرَّمِ أَوْ تَرْكِ الْوَاجِبِ (وَحَرُمَ بِرُّهُ لِمَا سَبَقَ) .
(وَيُخَيَّرُ) مَنْ حَلَفَ (فِي مُبَاحٍ) لَيَفْعَلَنَّهُ أَوْ لَا يَفْعَلُهُ بَيْنَ حِنْثِهِ وَبِرِّهِ (وَحِفْظُهَا فِيهِ أَوْلَى) مِنْ حِنْثِهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: ٨٩] (كَافْتِدَاءِ مُحِقٍّ) فِي دَعْوَى عَلَيْهِ (لِ) يَمِينٍ (وَاجِبَةٍ) ، أَيْ: وُجِّهَتْ (عَلَيْهِ عِنْدَ حَاكِمٍ) فَافْتِدَاؤُهُ أَوْلَى مِنْ حَلِفِهِ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ وَالْمِقْدَادَ تَحَاكَمَا إلَى عُمَرَ فِي مَالٍ اسْتَقْرَضَهُ الْمِقْدَادُ، فَجَعَلَ عُمَرُ الْيَمِينَ عَلَى الْمِقْدَادِ، فَرَدَّهَا الْمِقْدَادُ عَلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ عُمَرُ: لَقَدْ أَنْصَفَك، فَأَخَذَ عُثْمَانُ مَا أَعْطَاهُ الْمِقْدَادُ، وَلَمْ يَحْلِفْ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: خِفْتُ أَنْ يُوَافِقَ قَدْرَ بَلَاءٍ، فَيُقَالَ يَمِينُ عُثْمَانَ.
(وَيُبَاحُ الْحَلِفُ) عِنْدَ الْحَاكِمِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَّ عُمَرَ وَأُبَيًّا احْتَكَمَا إلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فِي نَخْلٍ ادَّعَاهُ أُبَيٌّ، فَتَوَجَّهَ الْيَمِينُ عَلَى عُمَرَ، فَقَالَ زَيْدٌ: أَعْفِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ عُمَرُ لِمَ يُعْفَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ؟ إنْ عَرَفْتُ شَيْئًا اسْتَحْقَقْتُهُ بِيَمِينِي، وَإِلَّا تَرَكْتُهُ، فَوَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ إنَّ النَّخْلَ لَنَخْلِي وَمَا لِأُبَيٍّ فِيهِ حَقٌّ، فَلَمَّا خَرَجَ وَهَبَ النَّخْلَ لِأُبَيٍّ، فَقِيلَ لَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هَلَّا كَانَ قَبْلَ الْيَمِينِ، فَقَالَ: خِفْتُ أَنْ لَا أَحْلِفَ فَلَا يَحْلِفَ النَّاسُ عَلَى حُقُوقِهِمْ بَعْدِي، فَيَكُونَ سُنَّةً، وَلِأَنَّهُ حَلِفُ صِدْقٍ عَلَى حَقٍّ فَأَشْبَهَ الْحَلِفُ عِنْدَ غَيْرِ الْحَاكِمِ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ فِيهِ: يُسْتَحَبُّ لِمَصْلَحَةٍ كَزِيَادَةِ طُمَأْنِينَةٍ وَتَوْكِيدِ الْأَمْرِ وَغَيْرِهِ، وَمِنْهُ «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُمَرَ عَنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ: وَاَللَّهِ مَا صَلَّيْتهَا تَطْيِيبًا مِنْهُ لِقَلْبِهِ» (بَلْ) ذَكَرَ ابْنُ الْقَيِّمِ (فِي) كِتَابِ (الْهَدْيِ) مِنْ قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ: فِيهَا جَوَازُ الْحَلِفِ ثُمَّ قَالَ: بَلْ (اسْتِحْبَابُهُ عَلَى الْخَبَرِ الدِّينِيِّ الَّذِي يُرَادُ تَأْكِيدُهُ وَقَدْ حُفِظَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَلِفُ فِي أَكْثَرَ مِنْ ثَمَانِينَ مَوْضِعًا) انْتَهَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute