وَأَمَّا الظَّالِمُ الَّذِي يَسْتَحْلِفُهُ حَاكِمٌ لِحَقٍّ عَلَيْهِ فَيَمِينُهُ عَلَى مَا يُصَدِّقُهُ (صَاحِبُهُ) وَتَقَدَّمَ.
(إذَا احْتَمَلَهَا) ، أَيْ: النِّيَّةَ (لَفْظُهُ) ، أَيْ: الْحَالِفِ (كَنِيَّتِهِ بِالسَّقْفِ وَالْبِنَاءِ السَّمَاءَ، وَكَنِيَّتِهِ بِالْفِرَاشِ وَبِالْبِسَاطِ الْأَرْضَ) وَكَنِيَّتِهِ بِاللِّبَاسِ اللَّيْلَ، وَبِالْأُخُوَّةِ أُخُوَّةَ الْإِسْلَامِ، وَمَا ذَكَرْتُ فُلَانًا، أَيْ: قَطَعْتُ ذِكْرَهُ، وَمَا رَأَيْتُهُ، أَيْ ضَرَبْتُ رِئَتَهُ (وَ) كَنِيَّتِهِ (بِنِسَائِهِ طَوَالِقُ أَقَارِبَهُ النِّسَاءَ، وَكَنِيَّتِهِ بِجَوَارِيهِ أَحْرَارٍ سُفُنَهُ، وَبِقَوْلِهِ مَا كَاتَبْتَ فُلَانًا مُكَاتَبَةً الرَّقِيقِ، وَبِمَا عَرَفْتُهُ مَا جَعَلْتُهُ عَرِيفًا، وَبِمَا أَعْلَمْتُهُ) ، أَيْ: جَعَلْتُهُ أَعْلَمَ، (وَلَا بِبَيْتِي فُرُشٌ وَهِيَ صِغَارُ الْإِبِلِ، وَلَا حَصِيرٌ وَهُوَ الْحَبْسُ، وَلَا بَارِيَةٌ وَهِيَ السِّكِّينُ) يَبْرَأُ بِهَا وَنَحْوُهُ (وَيُقْبَلُ حُكْمًا) دَعْوَى إرَادَةِ مَا ذَكَرَهُ (مَعَ قُرْبِ احْتِمَالِ) مَنْوِيِّهِ (مِنْ ظَاهِرِ لَفْظِهِ وَمَعَ تَوَسُّطِهِ) ، أَيْ: الِاحْتِمَالِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ قَرِيبًا وَلَا بَعِيدًا (أَمَّا لَوْ نَوَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ كَنِيَّتِهِ بِلَا يَأْكُلُ لَا يَقُومُ أَوْ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا، فَإِنَّ يَمِينَهُ لَا تَنْصَرِفُ لِمَا نَوَاهُ، بَلْ تَنْصَرِفُ لِمَا لَفَظَهُ) ؛ لِأَنَّهَا نِيَّةٌ مُجَرَّدَةٌ لَا يَحْتَمِلُهَا لَفْظُهُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ نَوَى ذَلِكَ بِلَا يَمِينٍ (وَيُقَدَّمُ فِيمَا يَحْتَمِلُ لَفْظُهُ مَا نَوَاهُ عَلَى عُمُومِ لَفْظِهِ) .
وَعَلَى السَّبَبِ الَّذِي هَيَّجَ الْيَمِينَ، سَوَاءٌ كَانَ مَا نَوَاهُ الْحَالِفُ مُوَافِقًا لِظَاهِرِ اللَّفْظِ أَوْ مُخَالِفًا لَهُ، فَالْمُوَافِقُ مِنْ نِيَّتِهِ لِلظَّاهِرِ وَمِنْ لَفْظِهِ أَنْ يَنْوِيَ بِاللَّفْظِ مَوْضُوعَهُ الْأَصْلِيَّ، مِثْلُ أَنْ يَنْوِيَ بِاللَّفْظِ الْعَامِّ الْعُمُومَ، وَبِالْمُطْلَقِ الْإِطْلَاقَ، وَبِسَائِرِ الْأَلْفَاظِ مَا يَتَبَادَرُ إلَى الْأَفْهَامِ مِنْهَا، وَالْمُخَالِفُ مِنْ النِّيَّةِ لِظَاهِرِ اللَّفْظِ يَتَنَوَّعُ أَنْوَاعًا مِنْهَا: أَنْ يَنْوِيَ بِالْعَامِّ الْخَاصَّ، مِثْلُ أَنْ يَحْلِفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا وَلَا فَاكِهَةَ، وَيُرِيدُ بِاللَّحْمِ لَحْمًا بِعَيْنِهِ، وَبِالْفَاكِهَةِ فَاكِهَةً بِعَيْنِهَا، وَنَظِيرُهُ {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} [آل عمران: ١٧٣] .
فَالنَّاسُ الْأَوَّلُ أُرِيدَ بِهِ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيُّ، وَالنَّاسُ الثَّانِي أَبُو سُفْيَانَ وَأَصْحَابُهُ، وَحَيْثُ احْتَمَلَهُ اللَّفْظُ وَجَبَ صَرْفُ الْيَمِينِ إلَيْهِ بِالنِّيَّةِ، لِحَدِيثِ: «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الشَّارِعِ يُحْمَلُ عَلَى مَا دَلَّ دَلِيلٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute