وَأَبُو الْخَطَّابِ: لِأَنَّ عِلَّتَهُ يَجُوزُ أَنْ تُنْتَقَضَ. وَقَوْلُهُ لَا يَطَّرِدُ (أَوْ) بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِوَكِيلِهِ (اعْتِقْهُ) ، أَيْ: عَبْدِي فُلَانًا (لِأَنَّهُ أَسْوَدُ أَوْ لِسَوَادِهِ، فَلَا يَتَجَاوَزُهُ) بِالْعِتْقِ لِجَوَازِ الْمُنَاقَضَةِ عَلَيْهِ وَالْبَدْءِ (وَ) إنْ قَالَ لِشَخْصٍ (إذَا أَمَرْتُك بِشَيْءٍ لِعِلَّةٍ فَقِسْ عَلَيْهِ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ مَالِي وَجَدْتُ فِيهِ تِلْكَ الْعِلَّةَ، ثُمَّ قَالَ اعْتِقْ عَبْدِي فُلَانًا؛ لِأَنَّهُ أَسْوَدُ، صَحَّ أَنْ يَعْتِقَ كُلَّ عَبْدٍ لَهُ أَسْوَدَ) وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِ صَاحِبِ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّهُ تَعَبَّدَنَا بِالْقِيَاسِ.
وَقَالَ فِي الْعُدَّةِ وَإِنَّ الْمُخَالِفَ احْتَجَّ بِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ لَا تَسْتَعْمِلُ الْقِيَاسَ، فَلَوْ قَالَ لِوَكِيلِهِ: اشْتَرِ لِي سَكَنْجَبِينًا، فَإِنَّهُ يَصْلُحُ لِلصَّفْرَاءِ، لَمْ يَصِحَّ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ رُمَّانًا وَإِنْ كَانَ يَصْلُحُ وَالْجَوَابُ أَنَّ السَّكَنْجَبِينَ يَخْتَصُّ بِمَعَانٍ لَا تُوجَدُ فِي الرُّمَّانِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْتَرِيَهُ، وَقَدْ وَرَدَ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ مَا يُوجِبُ الْقَوْلَ بِالْقِيَاسِ، فَإِنَّ اثْنَيْنِ لَوْ ضَرَبَا أُمَّهُمَا، فَضَرَبَ الْأَبُ أَحَدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ ضَرَبَ أُمَّهُ، صَلُحَ الرَّدُّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْآخَرَ ضَرَبَهَا فَلِمَ لَا تَضْرِبْهُ؟ (وَ) كَذَلِكَ (لَوْ قَالَ: لَا تُعْطِ فُلَانًا إبْرَةً يُرِيدُ عَدَمَ تَعَدِّيهِ بِهَا فَأَعْطَاهُ سِكِّينَةً، حَنِثَ) ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى مَنَعَهُ مِنْ إعْطَائِهِ مَا يَتَعَدَّى بِهِ، وَقَدْ وُجِدَ بِإِعْطَاءِ السِّكِّينِ، عَلَى أَنَّا نَقُولُ بِالْقِيَاسِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي دَلَّ الشَّرْعُ عَلَيْهِ وَكَلَّفَنَا إيَّاهُ، وَفِي تِلْكَ الْمَوَاضِعِ لَمْ يَدُلَّ الشَّرْعُ عَلَيْهِ فَلَمْ يُصْلَحْ الْقَوْلُ بِهِ.
فَقَدْ أَجَابَ الْقَاضِي بِوَجْهَيْنِ: أَوَّلُهُمَا كَاخْتِيَارِ أَبِي الْخَطَّابِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ قِسْ عَلَيْهِ كُلَّ مَا صَلُحَ لِلصَّفْرَاءِ، جَازَ، وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْتِقْ غَيْرَ مَا أَعْتَقَهُ مَعَ أَنَّهُ أَسْوَدُ، أَنَّ لِكُلِّ عَاقِلٍ مُنَاقَضَتُهُ وَيَقُولُ لَهُ لِمَ لَا تَعْتِقْ غَيْرَهُ مِنْ السُّودِ؟ وَكَذَا قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ، وَلَوْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ قِيسُوا كَلَامِي بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ، ثُمَّ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَكَلْتُ السُّكَّرَ؛ لِأَنَّهُ حُلْوٌ شَرَكَ فِيهِ كُلَّ حُلْوٍ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ.
(وَ) إنْ حَلَفَ (لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا لِشُرْبِهِ الْخَمْرَ، فَكَلَّمَهُ، وَقَدْ تَرَكَهُ) ، أَيْ: شُرْبَ الْخَمْرِ (لَمْ يَحْنَثْ) لِدَلَالَةِ الْحَالِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مَا دَامَ يَشْرَبُهَا، وَقَدْ انْقَطَعَ ذَلِكَ (وَلَا يُقْبَلُ تَعْلِيلٌ بِكَذِبٍ) ؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ كَعَدَمِهِ (فَمَنْ قَالَ لِقِنِّهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute