ذَلِكَ إلَّا مُعَلَّقًا بِإِنْ شَاءَ اللَّهُ.
قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ: اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} [الكهف: ٢٣] {إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: ٢٤] وَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْهُ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ؛ فَإِنَّ " إلَّا " لَيْسَتْ لِلتَّعْلِيقِ، " وَأَنْ " الْمَفْتُوحَةُ لَيْسَتْ لِلتَّعْلِيقِ، فَمَا بَقِيَ فِي الْآيَةِ شَيْءٌ يَدُلُّ عَلَى التَّعْلِيقِ وَلَا الِالْتِزَامِ، فَكَيْفَ يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِشَيْءٍ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ.
وَطُولَ الْأَيَّامِ يُحَاوِلُونَ الِاسْتِدْلَالَ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَلَا يَكَادُ يُتَفَطَّنُ لِوَجْهِ الدَّلِيلِ مِنْهَا، وَلَيْسَ فِيهَا إلَّا الِاسْتِثْنَاءُ وَأَيُّ شَيْءٍ هُوَ، وَمَا هُوَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَتَأَمَّلْهُ؛ فَهُوَ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ وَهُوَ أَصْلٌ فِي اشْتِرَاطِ الْمَشِيئَةِ عِنْدَ النُّطْقِ بِالْأَفْعَالِ.
وَالْجَوَابُ أَنَّا نَقُولُ: هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ الْأَحْوَالِ وَالْمُسْتَثْنَى حَالَةٌ مِنْ الْأَحْوَالِ وَهِيَ مَحْذُوفَةٌ قَبْلَ النَّاصِبَةِ، وَلَا يَفْعَلُونَ لِهَذَا الِاسْتِثْنَاءِ عَامِلٌ فِي " أَنْ " النَّاصِبَةِ، وَتَقْرِيرُهُ {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} [الكهف: ٢٣] {إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: ٢٤] فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ إلَّا مُعَلَّقًا بِأَنْ النَّاصِبَةِ، الشَّرْطِيَّةِ، وَلَا يَفْعَلُونَ لِهَذَا الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ؛ أَيْ: يَشَاءُ اللَّهُ، ثُمَّ حَذَفْتَ مُعَلَّقًا وَالْبَاءَ مِنْ أَنْ، فَيَكُونُ النَّهْيُ الْمُتَقَدِّمُ مَعَ إلَّا الْمُتَأَخِّرَةِ قَدْ حَصَرَتْ الْقَوْلَ فِي هَذِهِ الْحَالِ دُونَ سَائِرِ الْأَحْوَالِ، فَتَخْتَصُّ هَذِهِ الْحَالُ بِالْإِبَاحَةِ، وَغَيْرُهَا بِالتَّحْرِيمِ، وَتَرْكُ الْمُحَرَّمِ وَاجِبٌ، وَلَيْسَ شَيْءٌ هُنَاكَ يُتْرَكُ بِهِ الْحَرَامُ إلَّا هَذِهِ؛ فَتَكُونُ وَاجِبَةً، فَهَذَا مُدْرَكُ الْوُجُوبِ، وَأَمَّا مُدْرَكُ التَّعْلِيقِ فَهُوَ كَقَوْلِنَا مُعَلَّقًا؛ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَلَّقَ فِي تِلْكَ الْحَالِ، كَمَا إذَا قَالَ لَا تَخْرُجْ إلَّا ضَاحِكًا، فَإِنَّهُ يُفِيدُ الْأَمْرَ بِالضَّحِكِ وَالْخُرُوجِ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
(وَيَتَّجِهُ) لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِوَعْدٍ لِوَاعِدٍ (مُتَرَدِّدٌ) بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ (أَوْ عَازِمٍ عَلَى التَّرْكِ) أَيْ: تَرْكِ الْوَفَاءِ مِنْ حِينِ الْوَعْدِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ صَادِقًا بِوَعْدِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفِيَ (لَا) إنْ كَانَ عَازِمًا عَلَى (الْفِعْلِ حَالَ الْوَعْدِ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنَّ مَا وَعَدَ بِهِ؛ فَيَلْزَمُهُ الْفِعْلُ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ: الْوَعْدَ الْمُصَمِّمَ عَلَى فِعْلِهِ (إذَنْ لَيْسَ بِكَذِبٍ) وَحِينَئِذٍ فَيَحْرُمُ حَلِفُهُ عَلَى إنْجَازِ الْوَعْدِ بِلَا اسْتِثْنَاءٍ، وَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute