الْمَذْهَبُ (خِلَافًا " لِلتَّبْصِرَةِ " وَقَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (مَا يَسْتَفِيدُهُ بِالْوِلَايَةِ لَا حَدَّ لَهُ شَرْعًا، بَلْ يَتَلَقَّى مِنْ الْأَلْفَاظِ وَالْأَحْوَالِ وَالْعُرْفِ) لِأَنَّ كُلَّ مَا لَا يُحَدُّ شَرْعًا يُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِ كَالْقَبْضِ وَالْحِرْزِ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: أَمِيرُ الْبَلَدِ إنَّمَا هُوَ مُسَلَّطٌ عَلَى الْأَدَبِ، وَلَيْسَ لَهُ الْمَوَارِيثُ وَالْوَصَايَا وَالْفُرُوجُ وَالْحُدُودُ وَالرَّجْمُ إنَّمَا يَكُونُ هَذَا إلَى الْقَاضِي.
(وَلَهُ) ؛ أَيْ: الْقَاضِي (طَلَبُ رِزْقٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِنَفْسِهِ وَأُمَنَائِهِ وَخُلَفَائِهِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ عَلَى الْقَضَاءِ، وَفَرَضَ لَهُ رِزْقًا، وَرَزَقَ شُرَيْحًا فِي كُلِّ شَهْرٍ مِائَةَ دِرْهَمِ وَبَعَثَ إلَى الْكُوفَةِ عَمَّارًا وَابْنَ مَسْعُودٍ وَعُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ، وَرِزْقُهُمْ كُلَّ يَوْمٍ شَاةٌ، نِصْفُهَا لِعَمَّارٍ، وَنِصْفُهَا لِابْنِ مَسْعُودٍ وَعُثْمَانَ، وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ قَاضِيَهُمْ وَمُعَلِّمَهُمْ وَكَتَبَ إلَى مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ حِينَ بَعَثَهُمَا إلَى الشَّامِ أَنْ اُنْظُرَا رِجَالًا مِنْ صَالِحِي مَنْ قِبَلَكُمْ فَاسْتَعْمِلُوهُمْ عَلَى الْقَضَاءِ، وَوَسِّعُوا عَلَيْهِمْ وَارْزُقُوهُمْ وَاكْفُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ تَعَالَى (حَتَّى مَعَ عَدَمٍ حَاجَةٍ) لِمَا تَقَدَّمَ، وَلِحَاجَةِ النَّاسِ إلَى الْقَضَاءِ،
وَلَوْ لَمْ يَجُزْ الْفَرْضُ لَهُمْ لَتَعَطَّلَ الْقَضَاءُ، وَضَاعَتْ الْحُقُوقُ
، وَلِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمَّا وُلِّيَ الْخِلَافَةَ فَرَضُوا لَهُ رِزْقًا كُلَّ يَوْمٍ دِرْهَمَيْنِ.
(فَإِنْ لَمْ يُجْعَلْ لَهُ؛ أَيْ: الْقَاضِي شَيْءٌ) مِنْ بَيْتٍ الْمَالِ (وَلَيْسَ لَهُ مَا يَكْفِيهِ) وَعِيَالَهُ (وَقَالَ لِلْخَصْمَيْنِ لَا أَقْضِي بَيْنَكُمَا إلَّا بِجُعَلٍ جَازَ) لَهُ أَخْذُ الْجُعْلِ إلَّا الْأُجْرَةَ.
قَالَ عُمَرُ: لَا يَنْبَغِي لِقَاضِي الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى الْقَضَاءِ أُجْرَةً.
وَلِأَنَّهُ قُرْبَةٌ يَخْتَصُّ فَاعِلُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ؛ أَشْبَهَ الصَّلَاةَ.
قُلْتُ: وَالْمُحَكَّمُ مِثْلُهُ؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ لَهُ مَا يَكْفِيهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْجُعْلَ (لَا مَنْ تَعَيَّنَ أَنْ يُفْتِيَ وَلَهُ كِفَايَةٌ) فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ الْجُعْلِ عَلَى الْإِفْتَاءِ، فَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ بِأَنْ كَانَ بِالْبَلَدِ عَالِمٌ يَقُومُ مَقَامَهُ، أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ كِفَايَةٌ؛ جَازَ.
(وَمَنْ يَأْخُذُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) مِنْ الْمُفْتِينَ (لَا يَأْخُذُ) مِنْ مُسْتَفْتٍ (أُجْرَةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute