مِنْ هَذَا الْبَابِ بَيَانُ مَا يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي، أَوْ يُسَنُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِنَفْسِهِ وَأَعْوَانِهِ مِنْ الْآدَابِ وَالْقَوَانِينِ (وَالْخُلُقُ) بِضَمِّ اللَّامِ (صُورَتُهُ الْبَاطِنَةُ) وَهِيَ نَفْسُهُ وَأَوْصَافَهَا وَمَعَانِيهَا، وَالثَّوَابُ وَالْعِقَابُ يَتَعَلَّقَانِ بِأَوْصَافِ الصُّورَةِ الظَّاهِرَةِ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: حُسْنُ الْخُلُقِ اخْتِيَارُ الْفَضَائِلِ وَتَرْكُ الرَّذَائِلِ.
(يُسَنُّ كَوْنُهُ) أَيْ: الْقَاضِي (قَوِيًّا بِلَا عُنْفٍ) لِئَلَّا يَطْمَعَ فِيهِ الظَّالِمُ، وَالْعُنْفُ ضِدُّ الرِّفْقِ (لَيِّنًا بِلَا ضَعْفٍ) لِئَلَّا يَهَابَهُ صَاحِبُ الْحَقِّ (حَلِيمًا) لِئَلَّا يَغْضَبَ مِنْ كَلَامِ الْخَصْمِ، فَيَمْنَعَهُ الْحُكْمَ (مُتَأَنِّيًا) مِنْ التَّأَنِّي، وَهُوَ ضِدُّ الْعَجَلَةِ؛ لِئَلَّا تُؤَدِّيَ عَجَلَتُهُ إلَى مَا لَا يَنْبَغِي (مُتَفَطِّنًا) لِئَلَّا يُخْدَعَ مِنْ بَعْضِ الْخُصُومِ لِغُرَّةٍ (عَفِيفًا) أَيْ: كَافًّا نَفْسَهُ عَنْ الْحَرَامِ، لِئَلَّا يَطْمَعَ فِي مَسْأَلَةٍ بِإِطْمَاعِهِ (وَرِعًا نَزِهًا) أَيْ: بَعِيدًا مِنْ الطَّمَعِ صَدُوقَ اللَّهْجَةِ، بَصِيرًا بِأَحْكَامِ الْحُكَّامِ قَبْلَهُ (يَخَافُ) اللَّهَ تَعَالَى وَيُرَاقِبُهُ.
(لَا يُؤْتَى مِنْ غَفْلَةٍ، وَلَا يُخْدَعُ لِغُرَّةٍ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ: لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَكُونَ قَاضِيًا حَتَّى تَكْمُلَ فِيهِ خَمْسُ خِصَالٍ: عَفِيفٌ حَلِيمٌ عَالِمٌ بِمَا كَانَ قَبْلَهُ يَسْتَشِيرُ ذَوِي الْأَلْبَابِ لَا يَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ (صَحِيحَ الْبَصَرِ وَالسَّمْعِ عَالِمًا بِلُغَاتِ أَهْلِ وِلَايَتِهِ) لِأَنَّ ذَلِكَ أَمْكَنُ فِي الْعَدْلِ بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّ الْمُتَرْجِمَ قَدْ يُخْفِي شَيْئًا مِنْ كَلَامِ أَحَدِهِمَا (لَا يَهْزِلُ) وَلَا يَمْجُنُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُخِلُّ بِهَيْبَتِهِ (ذَا رَأْيٍ وَمَشُورَةٍ) لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ عَلِيٍّ (لِكَلَامِهِ لِينٌ إذَا قَرُبَ، وَهَيْبَةٌ إذَا أَوْعَدَ، وَوَفَاءٌ إذَا وَعَدَ) يُقَالُ وَعَدَ فِي الْخَيْرِ، وَأَوْعَدَ فِي ضِدِّهِ، هَذَا هُوَ الْأَصْلُ، وَيُسْتَعْمَلُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمَعْنَى الْآخَرِ، وَ (لَا) يَكُونُ (جَبَّارًا وَلَا عَسُوفًا) لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْمَعْقُودُ بِتَوْلِيَتِهِ مِنْ إيصَالِ الْحَقِّ لِمُسْتَحِقِّهِ. .
(وَسُنَّ سُؤَالُهُ إنْ وُلِّيَ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ عَنْ عُلَمَائِهِ) يُشَاوِرُهُمْ فِي الْحَوَادِثِ، وَيَسْتَعِينُ بِهِمْ عَلَى قَضَائِهِ (وَعَنْ عُدُولِهِ) لِاسْتِنَادِ أَحْكَامِهِمْ إلَيْهِ، وَثُبُوتِ الْحُقُوقِ عِنْدَهُ بِهِمْ، فَيَقْبَلُ أَوْ يَرُدُّ مَنْ يَرَاهُ لِذَلِكَ أَهْلًا، وَيَكُونُ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْهُمْ.
(وَ) يُسَنُّ (إعْلَامُهُمْ) بِأَنْ يَنْفُذَ عِنْدَ مَسِيرِهِ مَنْ يُعْلِمُهُمْ (بِيَوْمِ دُخُولِهِ الْبَلَدَ لِيَتَلَقَّوْهُ) لِأَنَّهُ أَوْقَعُ فِي النُّفُوسِ، وَأَعْظَمُ لِحِشْمَتِهِ (مِنْ غَيْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute