كَمَا لَوْ غَابَتْ عَنْ الْبَلَدِ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ (حَلِفُهُ مَعَ إقَامَةِ شَاهِدٍ) وَاحِدٍ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى إقَامَةِ شَاهِدٍ آخَرَ؛ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ إقَامَتِهَا تَامَّةً، وَإِنْ كَانَ لِمُدَّعٍ شَاهِدٌ وَاحِدٌ بِالْمَالِ، وَأَقَامَهُ عَرَّفَهُ الْقَاضِي أَنَّ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ شَاهِدِهِ، وَيَسْتَحِقُّ، فَإِنْ قَالَ: لَا أَحْلِفُ وَرَضِيَ بِيَمِينِهِ اُسْتُحْلِفَ لَهُ، وَانْقَطَعَ النِّزَاعُ، فَإِنْ عَادَ الْمُدَّعِي وَقَالَ أَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِي؛ لَمْ يُسْمَعُ مِنْهُ.
نَقَلَهُ فِي " الشَّرْحِ " عَنْ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ فِعْلُهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهَا، فَأَمْكَنَهُ أَنْ يُسْقِطَهَا بِخِلَافِ الْبَيِّنَةِ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْبُهُوتِيِّ فِي شَرْحِهِ " عَلَى " الْمُنْتَهَى " فِي هَذَا الْمَحَلِّ، وَقَطَعَ فِي " الْمُبْدِعِ " وَ " الْإِقْنَاعِ " وَ " الْإِنْصَافِ " فِي أَحْكَامِ الْمَشْهُودِ بِهِ يُسْتَحْلَفُ؛ فِيهِ نَظَرٌ؛ إذْ صَاحِبُ " الْإِقْنَاعِ " " وَالْمُنْتَهَى " لَمْ يَقْطَعَا بِذَلِكَ، وَصَاحِبُ " الْمُبْدِعِ " جَعَلَ الْأَشْهَرَ عَدَمَ الِاسْتِحْلَافِ، فَلْيُتَنَبَّهْ لِذَلِكَ، وَإِنْ عَادَ قَبْلَ حَلِفِ مُدَّعًى عَلَيْهِ، فَبَذَلَ الْيَمِينَ؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ فِي الْمَجْلِسِ، وَإِنْ وَجَدَ مُدَّعٍ مَعَ شَاهِدِهِ آخَرَ، فَشَهِدَا عِنْدَ الْقَاضِي بِحَقِّهِ كَمُلَتْ بَيِّنَتُهُ، وَقَضَى لَهُ بِهَا.
(وَإِنْ قَالَ مُدَّعٍ: لِي بَيِّنَةٌ وَأُرِيدُ يَمِينَهُ، فَإِنْ كَانَتْ الْبَيِّنَةُ حَاضِرَةً بِالْمَجْلِسِ؛ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا إحْدَاهُمَا) ؛ أَيْ: الْبَيِّنَةِ أَوْ تَحْلِيفِ خَصْمِهِ؛ لِحَدِيثِ: «شَاهِدَاك أَوْ يَمِينُهُ» .
وَأَوْ لِلتَّخْيِيرِ؛ فَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَلِإِمْكَانِ فَصْلِ الْخُصُومَةِ بِالْبَيِّنَةِ فَلَمْ يُشْرَعْ غَيْرُهَا مَعَ إرَادَةِ مُدَّعٍ إقَامَتَهَا وَحُضُورَهَا، وَلِأَنَّ الْيَمِينَ بَدَلٌ فَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ بَدَلِهَا كَسَائِرِ الْأَبْدَالِ مَعَ مُبْدَلَاتِهَا، (وَإِلَّا) تَكُنْ الْبَيِّنَةُ حَاضِرَةً بِالْمَجْلِسِ (فَلَهُ ذَلِكَ) ، أَيْ: تَحْلِيفُهُ ثُمَّ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ؛ لِقَوْلِ عُمَرَ: الْبَيِّنَةُ الصَّادِقَةُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ
وَيَلْزَمُ مِنْ صِدْقِ الْبَيِّنَةِ فُجُورُ الْيَمِينِ الْمُتَقَدِّمَةِ، فَتَكُونُ أَوْلَى، وَلِأَنَّ كُلَّ حَالٍ يَجِبُ الْحَقُّ فِيهَا بِإِقْرَارِهِ يَجِبُ عَلَيْهَا بِالْبَيِّنَةِ، كَمَا قُبِلَ الْيَمِينُ.
(وَإِنْ سَأَلَ مُدَّعٍ مُلَازَمَتَهُ) ؛ أَيْ: الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (حَتَّى يُقِيمَهَا) أَيْ: الْبَيِّنَةَ (أُجِيبَ فِي الْمَجْلِسِ فَقَطْ) حَيْثُ أَمْكَنَ إحْضَارُهَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute