للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شَيْءٍ وَرَبُّهُ وَلَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ الْإِقْرَارِ بِتَوْحِيدِهِ الرُّبُوبِيَّةَ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ مُشْرِكُو الْعَرَبِ، وَبَيْنَ تَوْحِيدِ الْإِلَهِيَّةِ الَّذِي دَعَاهُمْ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَجْمَعُونَ بَيْنَ التَّوْحِيدِ الْقَوْلِيِّ وَالْعَمَلِيِّ؛ بِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ مَا كَانُوا يَقُولُونَ: إنَّ الْعَالَمَ خَلَقَهُ اثْنَانِ، وَلَا إنَّ مَعَ اللَّهِ رَبًّا يَنْفَرِدُ دُونَهُ بِخَلْقِ شَيْءِ، بَلْ كَانُوا كَمَا قَالَ اللَّهُ عَنْهُمْ {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [العنكبوت: ٦١] وَكَانُوا مَعَ إقْرَارِهِمْ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْخَالِقُ وَحْدَهُ يَجْعَلُونَ مَعَهُ آلِهَةً أُخْرَى يَجْعَلُونَهُمْ شُفَعَاءَ لَهُمْ إلَيْهِ، وَيَقُولُونَ إنَّمَا نَعْبُدُهُمْ لِيُقَرِّبُونَا إلَى اللَّهِ زُلْفَى، فَالتَّوْحِيدُ وَالْإِشْرَاكُ يَكُونُ فِي الْقَلْبِ، وَيَكُونُ فِي أَعْمَالِ الْقَلْبِ، وَلِهَذَا قَالَ الْجُنَيْدُ: التَّوْحِيدُ قَوْلُ الْقَلْبِ، وَالتَّوْكِيلُ عَمَلُ الْقَلْبِ.

أَرَادَ بِذَلِكَ التَّوْحِيدَ الَّذِي هُوَ التَّصْدِيقُ؛ فَإِنَّهُ لَمَّا قَرَنَهُ بِالتَّوْكِيلِ جَعَلَهُ أَصْلَهُ، وَإِذَا أُفْرِدَ لَفْظُ التَّوْحِيدِ، فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ قَوْلَ الْقَلْبِ وَعَمَلَهُ وَالتَّوْكِيلُ مِنْ تَمَامِ التَّوْحِيدِ (وَأَيِّدْنَا بِرُوحِ تَأْيِيدِك وَاسْلُكْ بِنَا طَرِيقَ السُّنَّةِ، وَجَنِّبْنَا طَرِيقَ الْبِدْعَةِ) إذْ الْعَمَلُ الْقَلِيلُ فِي سُنَّةٍ خَيْرٌ مِنْ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ فِي بِدْعَةٍ (وَهَبْ لَنَا فُرْقَانًا نُفَرِّقُ بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ) لِنَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ فِي اتِّبَاعِ الْأَوَامِرِ وَاجْتِنَابِ النَّوَاهِي (وَهَبْ لَنَا الْإِخْلَاصَ الَّذِي لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُك، وَقَدِّسْنَا مِنْ أَوْصَافِ بَشَرِيَّاتِنَا، وَعَافِنَا مِنْ عِلَّةٍ) ظَاهِرَةٍ وَبَاطِنَةٍ (وَطَهِّرْنَا مِنْ كُلِّ دَنَسٍ، وَأَخْرِجْ حُبَّ الرِّئَاسَةِ مِنْ قُلُوبِنَا) فَإِنَّهُ الدَّاءُ الْعُضَالُ (وَلَا تَجْعَلْ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلَا تُسَلِّطْ عَلَيْنَا) بِذُنُوبِنَا (آمِينَ) .

قَالَ مُؤَلَّفُهُ الشَّيْخُ مَرِعِي سَامَحَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعَفَا عَنْهُ (قَدْ أَفْرَغْت فِي هَذَا الْجَمْعِ طَاقَتِي وَجُهْدِي، وَبَذَلْت فِيهِ فِكْرَتِي وَقَصْدِي، وَلَمْ يَكُنْ فِي ظَنِّي أَنْ أَتَعَرَّضَ لِذَلِكَ لِعِلْمِي) مِنْ نَفْسِي (بِالْعَجْزِ عَنْ الْخَوْضِ فِي تِلْكَ الْمَسَالِكِ) وَقَدْ

<<  <  ج: ص:  >  >>