للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ.

قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مَنْ فَعَلَ هَذَا أَوْ غَيْرَهُ مِمَّا هُوَ خَيْرٌ فِي نَفْسِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَحَبَّةِ لَهُ، لَا لِلَّهِ، وَلَا لِغَيْرِهِ مِنْ الشُّرَكَاءِ لَيْسَ مَذْمُومًا، بَلْ قَدْ يُثَابُ بِأَنْوَاعٍ مِنْ الثَّوَابِ، إمَّا بِزِيَادَةٍ فِيهَا وَفِي أَمْثَالِهَا فَيَتَنَعَّمُ بِذَلِكَ فِي الدُّنْيَا، قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ مِنْ فَوَائِدِ ذَلِكَ وَثَوَابِهِ فِي الدُّنْيَا أَنْ يَهْدِيَهُ اللَّهُ إلَى أَنْ يَتَقَرَّبَ بِهَا إلَيْهِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ: طَلَبْنَا الْعِلْمَ لِغَيْرِ اللَّهِ، فَأَبَى أَنْ يَكُونَ إلَّا لِلَّهِ.

وَقَوْلِ الْآخَرِ: طَلَبُهُمْ لَهُ نِيَّةٌ، يَعْنِي: نَفْسُ طَلَبِهِ حَسَنٌ يَنْفَعُهُمْ.

قَالَ أَحْمَدُ: وَيَجِبُ أَنْ يَطْلُبَ مِنْ الْعِلْمِ مَا يَقُومُ بِهِ دِينُهُ، قِيلَ لَهُ: فَكُلُّ الْعِلْمِ يَقُومُ بِهِ دِينُهُ، قَالَ: الْفَرْضُ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ طَلَبِهِ.

قِيلَ: مِثْلُ أَيِّ شَيْءٍ؟ قَالَ: الَّذِي لَا يَسَعُهُ جَهْلُهُ: صَلَاتُهُ وَصِيَامُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ.

وَمُرَادُ أَحْمَدَ: مَا يَتَعَيَّنُ وُجُوبُهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ فَفَرْضُ كِفَايَةٍ، ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ.

فَمَتَى قَامَتْ طَائِفَةٌ بِعِلْمٍ لَا يَتَعَيَّنُ وُجُوبُهُ قَامَتْ بِفَرْضِ كِفَايَةٍ، ثُمَّ مَنْ تَلَبَّسَ بِهِ فَنَفْلٌ فِي حَقِّهِ وَوُجُوبُهُ، مَعَ قِيَامِ غَيْرِهِ بِهِ، دَعْوَى تَفْتَقِرُ إلَى دَلِيلٍ، وَلْيَحْذَرْ الْعَالَمُ وَيَجْتَهِدْ، فَإِنَّ ذَنْبَهُ أَشَدُّ.

نَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: الْعَالِمُ يُقْتَدَى بِهِ، لَيْسَ الْعَالِمُ مِثْلَ الْجَاهِلِ، وَمَعْنَاهُ لِابْنِ الْمُبَارَكِ، وَغَيْرِهِ.

وَقَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: يُغْفَرُ لِسَبْعِينَ جَاهِلًا قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لِعَالِمٍ وَاحِدٍ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَالِمٌ لَمْ يَنْفَعْهُ اللَّهُ بِعِلْمِهِ، فَذَنْبُهُ مِنْ جِنْسِ ذَنْبِ الْيَهُودِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَفِي آدَابِ عُيُونِ الْمَسَائِلِ: الْعِلْمُ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ، وَأَقْرَبُ الْعُلَمَاءِ إلَى اللَّهِ وَأَوْلَاهُمْ بِهِ، أَكْثَرُهُمْ لَهُ خَشْيَةً. (وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ: أَفْضَلُ الْعِلْمِ: الْعِلْمُ بِاَللَّهِ وَصِفَاتِهِ) فَظَاهِرُهُ: أَنَّ الْعِلْمَ بِاَللَّهِ وَصِفَاتِهِ أَفْضَلُ مِنْ الْعِلْمِ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ.

قَالَ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>