للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لجعلكم أمة واحدة و لكن ليبلوكم في ما أتاكم فأستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون). ولهذا السبب أعلن الإسلام حرية العقيدة ونبذ الإكراه في الدين و وضع ضوابط دقيقة لتعميق خط التفاعل و التعارف بين بني البشر الذين يتفقون في أصولهم و عمود نسبهم (كلكم لآدم و آدم من تراب)، كما يتفقون في قدراتهم المعرفية و العقلية و الروحية، و لا يتمايزون إلا بسلوكهم الأخلاقي و ميزاتهم الروحية المكتسبة المتاحة لجميع الناس (١).

فالإسلام يعترف بالآخر ويقيم العلاقات مع الأخر على أسس ثابتة حتى وهو يعترف بأن الآخرين كفار. وهنا الإسلام يقيم أشياء أساسية في فكر الإنسان وفي نفسيته تنشأ ما نسميه التسامح، التسامح الديني من خلال:

أولا: اعتقاده أن هذا الاختلاف واقع بمشيئة الله وهذا يريح الإنسان.

ثانياً: أنه إذا كان هناك مهتدى وهناك ضال وهناك مؤمن وهناك كافر وهناك بار وهناك فاجر فحساب هؤلاء الناس ليس للإنسان ولكنه إلى الله عز وجل وليس في هذه الدنيا ولكن في يوم الحساب، الله سيفصل بين هؤلاء ويقول القرآن {إنَّ الَذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ} {اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} {اللَّهُ رَبُّنَا ورَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا ولَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وإلَيْهِ المَصِيرُ} هذا أمر آخر يريح الإنسان مع الذين يختلفون معه.

ثالثاً: أن الإسلام يكرم الإنسان من حيث هو إنسان بغض النظر عن جنسه أو دينه أو لونه أو لغته أو إقليمه أو طبقته {ولَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام كما روي البخاري ومسلم أنهم مروا عليه بجنازة فقام الرسول عليه الصلاة والسلام لها واقفا احتراما للميت فقالوا يا رسول الله إنها جنازة يهودي. فقال أليست نفس. فما أروع الموقف وما أروع التعليل نفسه" أليست نفس".

رابعاً: الإسلام يقيم العلاقة بين الناس جميعا على أساس العدل، عدل الله لجميع خلق الله يهودي نصراني مجوسي وثني {ولا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} الشنآن شدة البغض سواء شدة بغضهم لكم أو


(١) الحوار الإسلامي مع الأديان التوحيدية الأخرى: الخلفيات و الآفاق - عبد الملك منصور حسن المصعبي.

<<  <  ج: ص:  >  >>