للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بغضكم لهم لا يمنع هذا أنك تحكم بالعدل فالعدل مطلوب، والقرآن أنزل الله فيه تسع آيات من سورة النساء تدافع عن يهودي أُتهم ظلما، حيث ان احد المسلمين سرق ولكن اهله وقبيلته أرادوا أن يلصقوا التهمة بأحد اليهود، وذهبوا إلى النبي يعرضون حجتهم حيث كاد النبي عليه الصلاة والسلام ان يصدقهم ويدافع عن هذا المسلم ويتهم هذا اليهودي، وهنا نزل القرآن يبرئ اليهودي ويعاتب النبي عليه الصلاة والسلام أنه هم بتصديق هؤلاء ويقول الله تعالى في هذه الآيات {إنَّا أنزَلْنَا إلَيْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ولا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيماً، واسْتَغْفِرِ اللَّهَ إنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً، ولا تُجَادِلْ عَنِ الَذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ} لا تحامي عنهم {ولا تُجَادِلْ عَنِ الَذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً} إلى آخر الآيات التسع في الدفاع عن هذا اليهودي (١).

ومما تقدم يتضح لنا ان بنية الإسلام في الأصل بنية حوارية يشكل فيها "الاعتراف بالآخر" أولى مميزاتها بل أساساً يتنزل فيها منزلة "العقيدة". ذلك أن القرآن لم يثبت شرعية وجوده ويدافع عن اختياراته وبدائله إلا عبر أخلاقيات الحوار والنقاش، بل ربما انفرد القرآن، من بين نصوص الأديان الكتابية الأخرى، بذلك الحرص القوي الذي يطبع جل آياته، على محاولة طرح اختياراته الإصلاحية عبر أسلوب الجدال والحوار ومحاولة البرهان والتدليل على اختياراته وبدائله وإقناع مخالفيه بها ... وما هو أهم في كل هذا "اعترافه" الضمني والصريح بذلك التراكم المعرفي والأخلاقي الذي يمثله تاريخ الديانات الكتابية وسيرها الحثيث نحو الإصلاح والتصحيح والكمال العقائدي والأخلاقي، الأمر الذي اقتضى من الإسلام، قرآنا وسنة، ضرورة الاعتراف ب"الآخر" باعتباره مساهما فعالا في ذلك التطور الفكري والأخلاقي القابل دوما للإصلاح و"التتميم". من ثم جاءت تلك التأكيدات المتتالية في القرآن تذكر المؤمنين به قبل غيرهم، أنهم يمثلون حلقة من سلسلة من تلك "الحنيفية" التي يعتبر إبراهيم الخليل عليه السلام واسطة عقدها، ولبنة أساسية فيها. وحيث ذلك، أُمر المسلمون في تعاملهم مع "أهل الكتاب"، ورغم الخلافات الواردة، ان


(١) علاقة المسلمين باليهود - الشيخ يوسف القرضاوي - برامج الشريعة والحياة - تقديم خذيجه بنت قنه - تاريخ النشر: الأربعاء ١٧ يناير ٢٠٠٧ قناة الجزيرة

<<  <  ج: ص:  >  >>