واضحة بشأن ذلك. فالتعاطف مع اسرائيل قائم في ادارة اوباما، ولكنه ليس أعمى. العهد الذي كان بوسعنا فيه ان نشد الحبل وان نسوف الوقت بلغ منتهاه، كما عبر عن ذلك احد الكتاب اليهود.
لقد كان الخطاب المشحون بالعاطفة الذي ألقاه الرئيس الأمريكي باراك أوباما من على مدرج جامعة القاهرة، عظة دينية وجدانية، تخاطب القلب أكثر مما تخاطب العقل، ويمكن اعتباره خطاباً تاريخياً على المستوى التقني لخطابات زعماء الدول من حيث الشكل وبلاغة الخطيب المعروف بأنه متحدث مفوه لا يشق له غبار. وقد يكون أفلح في هذا، وكان له ما أراد، وتأكد هذا من خلال الاستجابات العاطفية التي كان يتلقاها، مع كل آية قرآنية، أو حديث نبوي كان يتلوه، وهو ينظر من دون تركيز، على الأثر الانفجاري الطاغي الذي كانت كلماته تتركه في نفوس مستمعيه. وهنا لن ننكر عليه قدراته البلاغية والخطابية المميزة التي أنتجت تلك الملحمة الخطابية التاريخية غير المسبوقة.
ولكن حين نضع خطاب اوباما تحت مجهر النقد والتمحيص، فإن الأمر سيبدو غير ذلك بالتأكيد، وعلى درجة حادة من الفروقات والاختلاف الكبير، وفيه من المغالطات، ومجافاة الواقع، الشيء، الكثير. فعلى صعيد الأفكار والنموذج المعرفي الذي يستند إليه اوباما ويستمد منه لغته فان الأمر يختلف حتماً، إذ يظهر التشريح أن الخطاب الذي غلبت عليه اللغة التصالحية والنظرة الواقعية والاستشهاد الديني بدا عاجزاً عن تقديم حلول مقنعة لمشاكل مستعصية وعمد اوباما إلى الهروب من التفاصيل إلى العموميات التي لا تلزمه بأي وعود تجاه أي طرف من الأطراف، كالوعود الانتخابية الكثيرة التي يحاول أوباما الوفاء بها الوعد تلو الآخر مما يترك له هامشاً واسعاً من المناورة في المستقبل.
فالخطاب ليس برنامجاً عاماً وعملياً، غايته أن يعالج ويتصدى لجملة من أزمات ومشاكل سياسية، واجتماعية تهم الشارع العام. لقد كانت الغاية الأولى والأخيرة من هذه الخطبة، بالضبط، هي تهدئة روع المسلمين الساخطين على سياسات الإدارة الأمريكية السابقة الاستفزازية مع فريق المحافظين الجدد، والذين لم يتركوا وراءهم أي أثر أو مثقال ذرة يمكن أن يترحم الناس من خلالها عليهم، أو يستذكرونهم بأي قدر من الخير.