للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أرادوا من خلال زعمهم السابق، إقناع الحكومة الإنجليزية والشعب الإنجليزي بالدرجة الأولى، بوجوب الإسراع بتوطين اليهود في فلسطين والإعداد لذلك عن طريق إنشاء مزيد من الجمعيات والمنظمات التي تقوم بإجراء الأبحاث والدراسات حول فلسطين. وفعلاً فقد شهد القرن التاسع عشر الميلادي زيادة كبيرة في عدد الجمعيات والمنظمات التي تدعى أنها تهدف إلى استكشاف فلسطين وتطويرها، وكأن هذه الأرض خالية من السكان!!

ولهذا فقد تعرضت فلسطين منذ أواخر القرن الخامس عشر -كغيرها من بلاد المشرق الغنى بتاريخه وآثاره- "لرحلات متعددة قام بها رحالة وعلماء أجانب، أفراداُ وجماعات. إلا أن فلسطين قد لاقت ـ من دون سائر بلاد الشرق ـ اهتماماً خاصاً، لكونها أرض التوراة ومهد المسيح، فتوجهت إليها أنظار اللاهوتيين والعلماء لدراسة أرضها وتربتها ومناخها وآثارها، وللتنقيب عن أي أثر أو دليل يعود إلى العهد التوراتي" (١)، حيث كانت الدوافع الدينية ـ أحيانا ـ وحدها البارزة وراء البعثات الاستكشافية. ومن ابرز الأمثلة، الأمريكي (إدوارد روبنسون) الذي ابتدأ يعمل مع تلميذه وصديقه (إيلى سميث) في منطقة القدس منذ سنة ١٨٣٨م. وقد اعترف منافسه السويسري تيتس توبلر بأن أعمال روبنسون، في جغرافية فلسطين، تتجاوز في أهميتها أعمال السابقين جميعاً. أما الكابتن (ويلسون)، وقد كان من المتطوعين الأوائل منذ سنة ١٨٦٦م لعمليات المسح في القدس وضواحيها، فقد كان يعلن أمام الجميع العطف الكبير الذي كان يحمله دوماً لاستيطان اليهود في فلسطين. كذلك كان يعلن زميله (كيتشنر) صراحة أن عمله في فلسطين ليس كباحث آثار فقط، وإنما كرجل سياسي أيضا، لذلك، فهو يتفحص البلاد أرضها وتربتها تمهيدا للاستيطان اليهودي وللمستقبل المشرق الذي يبدو أن فجره سوف يطل على هذه الأرض.

ولكن يبقى الاسم الأول البارز بين هؤلاء اسم الكابتن كلود كوندر (١٨٤٨ـ١٩١٠م)، ويعود ذلك إلى حماسته الصهيونية التي لا حد لها، والى العمل الذي قام به، برسم خريطة مفصلة تشمل فلسطين كلها، وقد سميت حينئذ


(١) فلسطين، القضية ـ الشعب ـ الحضارة ـ بيان نويهض الحوت ـ ص ٣٠١

<<  <  ج: ص:  >  >>