للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المسلمين أتوا النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يتجهز إلى غزوة تبوك فطلبوا منه أن يحملهم فقال لهم لا أجد ما أحملكم عليه فرجعوا وهم يبكون حزنا على ما فاتهم من الجهاد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال بعض العلماء: هذا والله بكاء الرجال بكوا على فقدهم رواحل يتحملون عليها لأن الموت في مواطن يراق فيها الدماء في سبيل الله وتنزع رءوس الرجال على كواهلها بالسيوف فأما من بكى على فقد حظه من الدنيا وشهواته العاجلة فذاك شبيه ببكاء الأطفال والنساء على فقد حظوظهم العاجلة، بيت:

سهر العيون لغير وجهك باطل ... وبكاؤهن لغير فقدك ضائع

إنما يحسن البكاء والأسف على فوات الدرجات العلى والنعيم المقيم، قال بعضهم: يرى رجل في الجنة يبكى فيسأل عن حاله فيقول: كانت لي نفس واحدة قتلت في سبيل الله، وددت أنه كانت لي نفوس كثيرة تقتل كلها في سبيله لما سمع الصحابة -رضي الله عنهم- قول الله عز وجل: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} (١) {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} (٢) فهموا من ذلك أن المراد أن يجتهد كل واحد منهم أن يكون هو السابق لغيره إلى هذه الكرامة والمسارع إلى بلوغ هذه الدرجة العالية فكان أحدهم إذا رأى من يعمل عملا يعجز عنه خشى أن يكون صاحب ذلك العمل هو السابق له فيحزن ولفوات سبقه فكان تنافسهم في درجات الآخرة واستباقهم في الدنيا


(١) سورة البقرة، الآية: ١٤٨.
(٢) سورة الحديد، الآية: ٢١.