احتاط لنفسه لا يقارب ذلك الحمى خوفا من الوقوع فيه ولله تعالى أيضا حمى وهو محارمه أي المعاصي التي حرمها كالقتل والزنى والسرقة والقذف والخمر والغيبة والنميمة وأكل المال بالباطل وأشباه ذلك فكل هذه حمى الله تعالى من دخله بإرتكابه شيئا من المعاصي استحق العقوبة قاربه يوشك أن يقع فيه فمن احتاط لنفسه لم يقاربه فلا يتعلق بشيء بقربه من المعصية ولا يدخل في شيء من الشبهات.
قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله" الحديث قال أهل اللغة: يقال: صلح الشيء وفسد بفتح اللام والسين وضمهما والفتح أفصح وأشهر والمضغة القطعة من اللحم سميت بذلك لأنها تمضغ في الفم لصغوها يعني بذلك صغر جرمها وعظم قدرها هذا تعظيم الشارع لأمر القلب لصدور الأفعال الاختيارية عنه وعما يقوم به من الاعتقادات والعلوم ورتب الأمر فيه على المضغة والمراد التعلق بها ولا شك أن صلاح الجسد مع أن صلاح الجسد وفساده تابعان للقلب وفيه الحث الأكيد على السعي في صلاح القلب وحمايته من الفساد واحتج جماعة بهذا الحديث على أن العقل في القلب لا في الرأس وفيه خلاف مشهور للسلف ومذهب أصحابنا وجماهير المتكلمين أنه في القلب، وقال أبو حنيفة: هو في الدماغ وقد حكي لأول أيضًا عن الفلاسفة، والثاني: عن الأطباء، واحتج القائلون بأنه في القلب بقوله تعالى:{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا}(١)، وقوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ