فالجواب: أن وجه الجمع بين هذه الأخبار تفضيل الأحوال فلسنا نقول التجارة أفضل مطلقا ولا التخلي عن العبادة أفضل مطلقا ولكن التجارة إما أن يطلب بها الكفاية أو الثروة والزيادة على الكفاية فإن طلب منها الزيادة على الكفاية لاستكثار المال وإدخاره لا للصرف إلى الخيرات والصدقات فهي مذمة لأنه إقبال على الدنيا التي حبها رأس كل خطيئة فإن كان مع ذلك جابيا فهو ظلم وفسق وهذا ما أراده سلمان الفارسي - رضي الله عنه - لا تمت تاجرا ولا جابيا فأراد بالتاجر طلب الزيادة فأما إذا طلب بالتجارة الكفاية لنفسه وأولاده وكان يقدر على كفايتهم بالسؤال أو غير فالتجارة تعففا عن السؤال وغيره أفضل وعلى التحقيق الكسب أفضل إلا لأربعة عابد مشتغل بالعبادة البدنية وصاحب سر له (سير بالباطن وعمل) بالقلب في علوم الأحوال والمكاشفات وعالم مشتغل بتربية على الظاهر ينتفع الناس به في دينهم كالمفسر والمفتي والمحدث وأمثالهم وهو مشتغل بمصالح المسلمين وسياستيهم كالسلطان والقاضي والشاهد وغيرهم فهؤلاء يكفون مؤنتهم من الأموال المرصدة للمصالح ومن الأوقاف المسبلة على الفقراء والعلماء باقيا لهم على ما هم فيه أفضل من الكسب وبهذا أوحى الله إلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - "سبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين" ولم يوح إليه أن يكون من التاجرين وكان - صلى الله عليه وسلم - جامعا لهذه المعاني كلها إلى زيادات عليها لا يحيط بها الوصف ولا يدركها سواة ولهذا أشار الصحابة على أبي بكر بترك المعيشة والتجارة لما ولي الخلافة إذا كان ذلك يشغله