للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بعد هذه الكلمة طعاما متكئا، وقال ابن بطال بعد قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا آكل متكئا" إنما فعل ذلك -صلى الله عليه وسلم- تواضعا لله تعالى وتذللا، وقد بين هذا أيوب في حديثه عن الزهري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أتاه ملك قبل تلك الساعة ولا بعدها فقال: إن ربك يخيرك بين أن تكون عبدا نبيا وملكا نبيا فنظر إلى جبريل عليه السلام كالمستشير له [فأومأ إليه أن تواضع، فقال: "بل عبدا نبيا" فما أكل متكئا]، وقال مجاهد: لم يأكل النبي -صلى الله عليه وسلم- متكئا قط إلا مرة ففزع فجلس، وقال: "اللهم أنا عبدك ورسولك" ثم قال: ومن أكل متكئا لم يأت حراما وإنما يكره ذلك لأنه خلاف التواضع الذي اختاره الله لأنبيائه [وصفوته] من خلقه وقد أجاز ابن سيرين والزهري الأكل متكئا (١).

وقد فسر الخطابي (٢) الاتكاء بالتمكن في الجلوس من التربع وشبهه المتكئ المعتمد [على] الوطاء تحته قال: كل من استوى قاعدا على وطاء فهو متكئ قال ومعناه لا آكل أكل من يريد الاستكثار من الطعام ويقعد متكئا بل أقعد مستوفزا [وأقوم عنه مستعجلًا]، وروى البيهقي من حديث يحيى بن بكير أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد" (٣) قال: وقد عد أبو العباس القرطبي ترك الأكل متكئا من خصائصه -صلى الله عليه وسلم-، ويحتمل أن يكون المختار لغيره أيضا أن يتركه لأنه من فعل المتعظمين وأصله مأخوذ من الأعاجم قال: فإن كانت برجل علة في شيء من يديه وكان


(١) شرح الصحيح (٩/ ٤٧٤ - ٤٧٥) لابن بطال، والتوضيح (٢٦/ ١٤٨) لابن الملقن.
(٢) أعلام الحديث (٣/ ٢٠٤٨) ومعالم السنن (٤/ ٢٤٢ - ٢٤٣).
(٣) شعب الإيمان (٨/ ٧١ رقم ٥٥٧٢) وما بعده كلامه في نفس الموضع.