الله وخوفا من عقابه كان الجهاد أيضًا رهبانية لأنه عبارة عن تعريض النفس لأنواع المكاره وبذلها في سبيل المتألف وتسليمها لمشتريها من غير مماطلة وهبة من الله تعالى وخوفا منه وأقرب مما تقدم أن يقال لما كانت الرهبانية عبارة عن تحمل أشق ما يكون على النفس سمى الجهاد أيضًا رهبانية لأنه بذل النفس والمال وهو أشق ما يكون، وشتان بين من يجاهد نفسه مع حياتها وتناول بعض ملذوذاتها وبين من عرضها لأعظم مكروهات وحرض على فنائها وإن كان سبب بقائها وحياتها اللهم ارزقنا ذلك بمنك وفضلك يا أرحم الراحمين.
قوله:"فإنه رهبانية أمتي" يريد أن الرهبان وإن تركوا وزهدوا فيها وتخلوا عنها فلا ترك ولا زهد ولا تخلى أكثر من بذل النفس في سبيل الله وكما أنه ليس عند النصارى عمل أفضل من الترهيب ففي الإسلام لا عمل أفضل من الجهاد ولهذا قال ذروة سنام الإسلام الجهاد في سبيل الله، وفي الحديث "لا رهبانية في الإسلام" هي من رهبنة النصارى وأصلها من الرهبة الخوف كانوا يرهبون بالتخلي من أشغال وترك ملاذها والزهد فيه والعزلة عن أهلها، وتعمد مشاقها حتى إن منهم من كان يخصي نفسه ويضع السلسلة في عنقه وغير ذلك من أنواع التعذيب فنفاها النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإسلام ونهي المسلمين عنها والرهبان جمع راهب وقد يقع على الواحد ويجمع على رهابين ورهابنة، والرهبانية منسوبة إلى الرهبنة بزيادة الألف والله أعلم (١).