للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فالرحمة في اللغة رقة قلب وانعطاف يقتضي التفضل والإحسان على من رق فمبدؤها الرقة التي هي انفعال ومنتهاها العطف والتفضل الذي هو فعل فالإنسان إذا وصف بالرحمة فتارة يراد بذلك المبدأ الذي هو الرقة وتارة يراد به المنتهى الذي هو التفضل والعطف وتارة يرادان معا وإذا وصف بها الباري سبحانه وتعالى فليس يراد بذلك إلا المنتهى الذي هو الفعل دون المبدأ الذي هو الانفعال إذ هو سبحانه وتعالى منزه عن الانفعالات وعن كل نقص تعالى الله عن ذلك وهذا ما روي عن التابعين حيث قالوا: الرحمة من الله تعالى إنعام وإفضال ومن الآدميين رقة وتعطف (١)، أ. هـ.


(١) تفسير الراغب الأصفهانى (١/ ٥٠)، وتحفة الأبرار (٢/ ٢٥ - ٢٦). قال ابن تيمية (٦/ ١١٧ - ١١٨): وأما قول القائل: الرحمة ضعف وخور في الطبيعة وتألم على المرحوم فهذا باطل. أما أولا: فلأن الضعف والخور مذموم من الآدميين والرحمة ممدوحة؛ وقد قال تعالى: {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} وقد نهى الله عباده عن الوهن والحزن؛ فقال تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} وندبهم إلى الرحمة. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: "لا تنزع الرحمة إلا من شقي" وقال: "من لا يرحم لا يرحم" وقال: "الراحمون يرحمهم الرحمن. ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء". ومحال أن يقول: لا ينزع الضعف والخور إلا من شقي؛ ولكن لما كانت الرحمة تقارن في حق كثير من الناس الضعف والخور - كما في رحمة النساء ونحو ذلك - ظن الغالط أنها كذلك مطلقا.
وقال: فإذا كانت ذاتنا وصفاتنا وأفعالنا وما اتصفنا به من الكمال من العلم والقدرة وغير ذلك هو مقرون بالحاجة والحدوث والإمكان: لم يجب أن يكون لله ذات ولا صفات ولا أفعال ولا يقدر ولا يعلم؛ لكون ذلك ملازما للحاجة فينا. فكذلك الرحمة وغيرها إذا قدر أنها في حقنا ملازمة للحاجة والضعف؛ لم يجب أن تكون في حق الله ملازمة لذلك.