وفي حديث عائشة بعده: جاء أعرابي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال:"إنكم تقبلون الصبيان ولا نقبلهم" فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أو أملك لك أن نزع الله الرحمة من قلبك" الحديث، أي لا أملك لك رد الرحمة التي نزعها الله من قلبك (١)، أ. هـ، والرحمة في حقنا رقة وحنو يجده الإنسان في نفسه عند مشاهدة مبتلى أو صغير تحمله على الإحسان إليه واللطف به والرفق والسعي في كشف ما به، وقد جعل الله تعالى هذه الرحمة في الحيوان كله عاقله وغير عاقله فيها تعطف الحيوانات على نوعها وأولادها فتحنوا عليها وتلطف بها في حال ضعفها وصغرها، وحكمة هذه الرحمة تسخير القوى للضعيف والكبير للصغير حتى ينحفظ وتتم مصلحته وذلك بتدبير اللطيف الخبير وهذه الرحمة التي جعلها في القلوب في هذه الدار وتحصل عنها هذه المصلحة العظيمة هي رحمة واحدة من مائة رحمة ادخرها الله تعالى ليوم القيامة فيرحم بها عباده المؤمنين وقت أهوالها حتى يخلصهم منها ويدخلهم في جنته وكرامته ولا يفهم من هذا أن الرحمة التي وصف ألحق بها نفسه هي رقة وحنو كما هي في حقنا لأن ذلك تغير يوجب للمتصف به الحدوث والله تعالى منزه ومقدس عن ذلك وعن نقيضه وهو القسوة والغلظ وإنما ذلك راجع في حقه إلى ثمرة تلك الرقة وفائدتها وهو اللطف بالمبتلي والضعيف والإحسان إليه وكشف ما هو فيه من البلاء فأذن هي في حقه سبحانه وتعالى من صفات الفعل لا من صفات الذات وهذا كما تقرر في غضبه