تعالى ورضاه وإذا تقرر هذا فمن خلق الله تعالى في قلبه هذه الرحمة الحاملة له على الرفق وكشف ضر المبتلى فقد رحمه الله تعالى بذلك في الحال وجعل ذلك علامة على رحمته إياه في المنال ومن سلب الله تعالى ذلك المعنى عنه وابتلاه بنقيض ذلك من القسوة والغلظ فلم يلطف بضعيف ولا أشفق على مبتلى في الحال وجعل ذلك علما على شقوته في المثال نعوذ بالله من ذلك، ولذلك قال - عليه السلام -: "الراحمون يرحمهم الرحمن" وقال: "لا يرحم الله من عباده إلا الرحماء" وقال: "لا ينزع الرحمة إلا من شقي" وقال: "لا يرحم من لا يرحم" وفي هذه الأحاديث ما يدل على جواز تقبيل الصغير على جهة الرحمة والشفقة وكراهة الامتناع من ذلك على جهة الأنفة وهذه القبلة على الفم ويكره مثل ذلك في الكبار إذ لم يكن معروفا في الصدر الأول ولا يدل على شفقته فأما تقبيل الرأس فإكرام عند من جرت عادتهم بذلك كالأب والأم، وأما تقبيل اليد فكرهه مالك ورآه من باب الكبر، وإذا كان مكروها في اليد كان أحرى وأولى في الرجل وقد أجاز تقبيل اليد والرجل بعض الناس مستدلا بأن اليهود قبلوا يد رسول الله ورجله حين سألوه عن مسائل فأخبرهم بها ولا حجة في ذلك لأنه - صلى الله عليه وسلم - قد نزهه الله تعالى عن الكبر وليس كذلك غيره ولأن ذلك أظهره من اليهود اعتقادهم صدقه فأقرهم على ذلك ليتبين للحاضرين باذلا لهم أنفسهم له ما عندهم من معرفتهم بصدقه وأن كفرهم بذلك عناد وجحد ولو فهمت الصحابة جواز تقبيل يده ورجله لكانوا أول سابق إلى ذلك فيفعلون ذلك به دائما في كل وقت كما كانوا يتبركون ببزاقه