للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قوله: "لا تؤذوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم" الحديث.

واعلم أن الناس على ضربين، أحدهما: من كان مستورا لا يعرف بشيء من المعاصي فإذا وقعت منه هفوة أو زلة فإنه لا يجوز كشفها ولا هتكها ولا التحدث بها لأن ذلك غيبة محرمة وهذا هو الذي وردت فيه هذه النصوص ومثل هذا لو جاء تائبا نادما وأقر بحد ولم يفسره لم يستفسر ويؤمر بأن يرجع ويستر نفسه كما أمر النبي ماعزا والغامدية وكما لم يستغفر الذي قال له أصبت حدًا فأقمه علي ومثل هذا لو أخذ بجريمته ولم يبلغ الإمام فإنه يشع له حتى لا يبلغ الإمام وفي مثله جاء الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- "أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم" خرجه أبو داود والنسائي من حديث عائشة، والثاني: من كان مشتهرًا بالمعاصي معلنا بها ولا يبالي بما ارتكب منها ولا بما قيل له فهذا هو الفاجر المعلن وليس له غيبة كما نص على ذلك الحسن البصري وغيره ومثل هذا لا بأس بالبحث عن أمره ليقام عليه الحد، وصرح بذلك بعض أصحابنا واستدل عليه بقوله -صلى الله عليه وسلم-: "واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها" ومثل هذا لا يشفع له إذا أخذ ولو لم يبلغ السلطان بل يترك حتى يقام عليه الحد لينكف شره ويرتدع به أمثاله، قال مالك رحمه الله: من لم يعرف منه أذى للناس وإنما كان منه زلة فلا بأس بأن يشفع له ما لم يبلغ السلطان وأما من عرف بشر أو فساد فلا أحب أن يشفع له أحد ولكن يترك حتى يقام عليه الحد، حكاه ابن المنذر قاله ابن رجب الحنبلي (١)، أ. هـ.


(١) جامع العلوم والحكم (٣/ ١٠١١ - ١٠١٣).