للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قولها -رضي اللَّه عنها-: وسمعته يقول في سجوده: "أعوذ بعفوك من عقابك وأعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بك منك جل وجهك لا أحصي ثناء عليك" الحديث، وفي رواية بدأ بالمعافاة ثم بالرضا، إنما ابتدأ بالمعافاة من العقوبة؛ لأنها من صفات الأفعال كالإماتة والإحياء، والرضا والسخط من صفات الذات. وصفات الأفعال أدنى رتبة من صفات الذات، فبدأ بالأدنى مترقيا إلى الأعلى. ثم لما ازداد يقينا وارتقاء ترك الصفات وقصر نظره على الذات فقال: أعوذ بك منك، ثم لما ازداد قربا استحيا معه من الاستعاذة على بساط القرب، فالتجأ إلى الثناء فقال: لا أحصي ثناء عليك، ثم علم أن ذلك قصور فقال: أنت كما أثنيت على نفسك، وأما على الرواية الأولى فإنما قدم الاستعاذة بالرضا على السخط؛ لأن المعافاة من العقوبة تحصل بحصول الرضا، وإنما ذكرها لأن دلالة الأولى عليها دلالة تضمين، فأراد أن يدل عليها دلالة مطابقة، فكنى عنها أولا، ثم صرح بها ثانيا، ولأن الراضي قد يعاقب للمصلحة، أو لاستيفاء حق الغير (١) أ. هـ.

وقال الحصني: معنى "لا أحصى ثناء عليك" لا أحيط بمحامدك وصفة إلاهيتك وإنما أنت المحيط به وحدك، أ. هـ.

وقال أبو سليمان الداراني (٢): في هذا الكلام معنى لطيف وذلك أنه استعاذ باللَّه وسأله أن يجيزه برضاه من سخطه وبمعافاته من عقوبته والرضى


(١) النهاية (٢/ ٢٣٢).
(٢) كذا في الأصل وإنما هو الخطابي أبو سليمان.