أمره فرأيت تلك الليلة في المنام، كأني أتاني رجل أسود طويل جدا ومعه طبق عليه قطعة من لحم خنزير، فقال لي: كل، فقلت: آكل لحم خنزير؟ واللَّه لا آكله؛ فانتهرني انتهاراً شديدًا وقال لي: قد أكلت ما هو شر منه، فجعل يدسه في فمي حتى استيقظت من منامي، فواللَّه لقد مكثت ثلاثين [يوما] أو أربعين يومًا ما أكلت طعاما إلا وجدت طعم ذلك اللحم ونتنه في فمي. وقال سفيان بن الحصين كنت جالسا عند إياس بن معاوية فمر رجل فجعلت أغتابه فقال: اسكت، ثم قال لي يا سفيان هل غزوت الروم؟
قلت: لا، قال: غزوت الترك؟ قلت: لا، قال: سلم منك الترك والروم، ولم يسلم منك أخوك المسلم، قال: فما عدت بعد ذلك إلى الغيبة. ودعي إبراهيم بن أدهم -رضي اللَّه عنه- إلى طعام فلما جلس قالوا: إن فلانًا لم يجئ فقال رجل منهم: إنه لثقيل، فقال إبراهيم: إنما [فعلت] بي هذا بطني حيث شهدت طعامًا اغتيب فيه مسلم، فخرج ولم يأكل ثلاثة أيام.
وقال وهب المكي أنه قال: لأن أدع الغيبة أحب إلي من أن تكون لي الدنيا وما فيها، منذ خلقت إلى [يوم] أن تفنى، وأجعلها في سبيل اللَّه تعالى. والآثار عن الصحابة والسلف في ذلك أكثر من أن تحصى واللَّه أعلم. فإذا آمن الإنسان بما قدمناه من الآثار والأخبار لم ينطلق لسانه بالغيبة خوفًا من ذلك، وما يؤكد خوفه ونفعه أن يتدبر في أحوال نفسه فإن وجد فيها عيبا اشتغل بإزالته وإصلاحه، ولنذكر عند ذلك قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (١) طوبى لمن شغله
(١) أخرجه البزار = البحر الزخار (٦٢٣٧)، وابن عدي في الكامل (٢/ ٢٧٤)، والديلمي في الفردوس (٣٩٢٩)، والبيهقي في الشعب (١٠٥٦٣) عن أنس، وأخرجه أبو نعيم =