هذا مما عملت أيديهم وإن كان عملا لا يتأتي فيه المباشرة بالأيدي وإنما قدم اللسان لأن إيذاء اللسان أكثر وقوعا وأسهل أو لأنه أشد نكاية. قال -صلى اللَّه عليه وسلم- لحسان أهجُ المشركين فإنه أشد عليهم من رشق النبل. وقال الشاعر:
جراحات السنان لها التئام ... ولا [يلتئم] ما جرح اللسان
فإن قلت المفهوم من الحديث أنه إذا لم يسلم المسلمون منه لا يكون مسلمًا لكن الاتفاق على أنه إذا أتى بالأركان الخمسة فهو مسلم بالنص والإجماع. قلت المراد من [سلم] منه هو المسلم الكامل وإذا لم يسلموا منه فيلزم أنه لا يكون مسلما كاملا وذلك لأن الجنس إذا أطلق يكون محمولا على الكامل نص عليه سيبويه في نحو الرجل زيد وقال ابن جني من عادتهم أن يوقعوا على الشيء الذي يخصونه بالمدح اسم الجنس ألا ترى كيف سموا الكعبة بالبيت.
فإن قلت فإذا سلم المسلمون منه يلزم أن يكون مسلما كاملا وإن لم يأت بسائر الأركان لكنه باطل اتفاقا كالأول وهذا السؤال عكس الأول. قلت هذا ورَد على سبيل المبالغة تعظيما لترك الإيذاء فإن ترك الإيذاء هو نفس الإسلام الكامل وهو محصور فيه على سبيل الادعاء وأمثاله كثير. فإن قلت فما تقول في إقامة الحدود وإجراء التعازير والتأديبات الزاجرة. قلت ذلك مستثنى من هذا العموم بالإجماع أو أنه ليس إيذاء بل هو عند التحقيق استصلاح وطلب السلامة لهم ولو في المآل. قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- والمهاجر من هجر ما نهى اللَّه عنه الحديث. الهجر ضد الوصل ومنه قيل للكلام الفاحش الهُجر بضم الهاء لأنه لا ينبغي أن يهجر عنه والمهاجر اصطلاحا هو الذي فارق