للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فيه نزعتان، فأما إلى غلو ومجاوزة، وأما إلى تفريط وتقصير وهما آفتان لا يخلص منهما في الاعتقاد، والقصد والعمل إلا من مشى خلف رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - وترك أقوال الناس وآراءهم بما جاء به، وهذان المرضان الخطران قد استوليا على أكثر بني آدم (١)، انتهى.

قوله: "ولا الجافي عنه" الجافي: المتجانب عن العمل بأحكام القرآن والجفاء البعد عن الشيء يقال: جفاه إذا بعد عنه وأجفاه إذا أبعده، ومنه الحديث: "اقرءوا القرآن ولا تجفوا عنه" أي: تعاهده ولا تبتعدوا عن تلاوته، والجفاء أيضًا ترك الصلة والبر، قاله في النهاية (٢).

قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وإكرام ذي السلطان المقسط" أي: العادل.

لطيفة: قال ابن العماد في بعفر مؤلفاته: وإنما خصت هذه الثلاث المذكورة في الحديث لأنها راجعة إلى أوصاف الرب عَزَّ وَجَلَّ، فذو الشيبة حصل له كبر السن، والباري سبحانه وتعالى له الكبرياء، وحامل القرآن كذلك لأن القرآن كلام اللّه وكلامه صفته فكأنه اتصف بشيء من صفات الرب عَزَّ وَجَلَّ ولبس جها حلة الكرامة، فوجب أن يعامل بالإجلال والمهابة، وكذلك الإمام المقسط يعني السلطان العادل لما اتصف بالعدل الذي ضد الجور، والعدل من صفاته عَزَّ وَجَلَّ وجب أن يعامل بالإجلال وبالسمع والطاعة والمبادرة إلى امتثال أمره ونهيه لأنه أمر بأمر اللّه تعالى.


(١) الروح (ص ٢٥٧).
(٢) النهاية (١/ ٢٨١).