للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والرفع هاهنا بمعنى واحد فلا فرق بين الروايتين، [قالوا:] فمعنى يرفع لكل غادر لواء أن له علامة يشهر بها في الناس لأن موضوع اللواء الشهرة وكانت العرب ترفع للغادر لواء في المحامل والأسواق الحفلة ومواسم الحج وكذلك يطاف بالجاني مع جنايته، ألا ترى إلى قول شاعرهم:

أسُميّ ويحكِ هل سمعتِ بغدرة ... رُفع اللواء لنا بهافي المجمَع

وفي هذا الحديث بيان غلظ تحريم الغدر لا سيما من صاحب الولاية العامة لأن غدره يتعدى ضرره إلى خلق كثير، وقيل لأنه غير مضطر إلى الغدر لقدرته على الوفاء كما في الحديث الصحيح في تعظيم كذب الملك والمشهور أن هذا الحديث وارد في ذم الإمام الغادر. وذكر القاضي عياض (١) احتمالين: أحدهما هذا، وهو نهي الإمام أن يغدر في عهوده لرعيته أو للكفار وغيرهم أو غدره الأمانة التي قُلّدها لرعيته والتزم القيام بها والمحافظة عليها فمتى [أخافهم] (٢) أو ترك [الشفقة] عليهم أو الرفق بهم فقد غدر بعهده.

والاحتمال الثاني أن يكون المراد نهي الرعية عن الغدر بالإمام فلا يشق أعليهم، العصا ولا يتعرض لما يخاف حصول فتنة بسببه. والصحيح الأول.

قوله: "بقدر غدرته"، أي إن كانت عظيمة رفع له لواء عظيم أو صغيرة فصغير. قوله: وفي رواية لمسلم أنه ينصب عند إستِه أي عند مقعده لا يفارقه ليمر به الناس فيروه فيعرفوه فيزداد خجلا وفضيحة.


(١) شرح النووي على صحيح مسلم (١٢/ ٤٤).
(٢) هكذا في الأصل ولعله الصواب، وفي النسخة الهندية: (خافهم).